هآرتس: في الطريق الى “احتلال” السعودية؛ ترامب يحرم إسرائيل من امتياز ادارة مواجهات
هآرتس 9/5/2025، تسفي برئيل: في الطريق الى “احتلال” السعودية؛ ترامب يحرم إسرائيل من امتياز ادارة مواجهات إقليمية
في شهر آذار، بعد فترة قصيرة على بدء ترامب هجومه الكثيف على قواعد الحوثيين في اليمن، اعلن الرئيس الأمريكي بأن “الحوثيين يتشوقون جدا لصنع السلام، وأنه تم ضربهم بشدة وهم يريدون وقف الهجمات. أنا يمكنني فقط القول بأن الهجمات، في النهار وفي الليل، كانت ناجحة بصورة تتجاوز توقعاتنا. نحن سنفعل ذلك لفترة زمنية طويلة”.
عمليا، استغرق الامر سبعة أسابيع الى أن تمت ترجمة رغبة الحوثيين الشديدة في اتفاق لوقف اطلاق النار. يصعب معرفة بالضبط كيف نضج الاتفاق بالتحديد الآن. حسب احد التقديرات فان السعودية هي التي ضغطت على ترامب لتمهيد الأجواء قبل زيارته في المملكة في الأسبوع القادم. تحليلات أخرى تقول بأن ايران “اوصت” الحوثيين بالموافقة على وقف اطلاق النار كبادرة حسن نية للدفع قدما بالمفاوضات حول القضية النووية، التي من شأنها أن تستأنف يوم الاحد القادم، رغم أن موقف ايران الرسمي يؤكد على أن كل “وكلاءها” هم مستقلون في قراراتهم، وأن ايران لا تتدخل في تقديرهم.
من خلال نسيج هذه التقديرات تملصت حقيقة بأن الامر يتعلق باتفاق بين دولة عظمى في العالم وبين نظام يعتبر منظمة إرهابية دولية، لكن من الجدير تخفيف الصدمة. فهذه ليست المرة الأولى التي فيها ترامب يجري مفاوضات مع من صنفه هو نفسه بأنه منظمة إرهابية دولية. في 2019 بعد مهاجمة الحوثيين لمنشآت النفط في السعودية، رغم أن السعودية طرحت دلائل كما يبدو على تدخل ايران في الهجوم الذي تسبب باضرار كبيرة وتقليص عميق في قدرة المملكة على انتاج النفط، إلا أن ترامب لم يضغط على الزناد. “أنا شخص غير معني بالحرب”، رد ترامب في حينه. وعندما سئل هل تعهد بالدفاع عن السعودية أجاب: “لا، لم اتعهد بشيء كهذا في أي يوم للسعودية. يجب علينا الجلوس مع السعوديين وتخطيط شيء. هذا كان هجوم على السعودية وليس علينا، لكن نحن بالتأكيد سنساعدهم”.
بعد ذلك أوضح ترامب بأن الاستعداد لمساعدة السعودية موجود، لكن فقط له ثمن. في موازاة ذلك “عرض” على السعودية البدء في مفاوضات مع الحوثيين للتوصل الى تسوية معينة. بعد سبعة اشهر تقريبا على ذلك الهجوم هدد ترامب ولي العهد محمد بن سلمان بأنه اذا لم تقلص السعودية و”اوبيك” انتاج النفط وانهاء حرب نفطهم مع روسيا التي تسببت باضرار لصناعة النفط الامريكية، فان ترامب لن يستطيع وقف التشريع في الكونغرس، الذي ينوي المطالبة بإخراج القوات الامريكية من السعودية، صواريخ الباتريوت ومنظومات الدفاع ضد الصواريخ – أي منظومات الدفاع ضد ايران والحوثيين. بعد عشرة أيام أعلنت السعودية عن تقليص حجم انتاج النفط.
هذه الاحداث كان يجب أن تعلم إسرائيل الدرس المطلوب لها لفهم الطريقة التي يدير فيها ترامب السياسة الخارجية، ويمكنه أن يوفر عليها المفاجأة والاحراج الذي لحق بها من اتفاق وقف اطلاق النار مع الحوثيين والذي وقع من وراء ظهرها. احد أسس هذه السياسة يقول ان ترامب لا ينوي ان يحارب حروب الآخرين، سواء كانت السعودية، حليفة الولايات المتحدة منذ سبعة عقود تقريبا، أو أوكرانيا، التي تحارب على حياتها امام العدو التاريخي للولايات المتحدة، وكما يبدو أيضا إسرائيل. الأساس الثاني اصبح معروف جيدا، وهو يقول ان ترامب يفضل الصفقات على المواجهات العنيفة. من اجل تحقيق صفقة أمريكية جيدة، مع التأكيد على أمريكية، فانه ليست لديه أي مشكلة لكسر اطر دبلوماسية تقليدية مثل الذي يقول بأنه لا يتم اجراء المفاوضات مع المنظمات الإرهابية، أو اصلاح خطأ ارتكبه عندما انسحب من الاتفاق النووي مع ايران.
تدخل مؤقت فقط
الضغط الذي استخدمه ترامب على ابن سلمان لاجراء مفاوضات مع الحوثيين، الذي نضج في 2022 عندما تم التوصل الى وقف لاطلاق النار معهم، سبق فقط بخمسة اشهر اتفاق آخر وقع عليه ترامب مع تنظيم إرهابي، طالبان، في 2020. الاتفاق الذي وقع في حينه في عاصمة قطر الدوحة سمح لترامب بسحب من أفغانستان 5 آلاف جندي تقريبا. وقد خلق البنية التحتية لاتفاق آخر الذي كان سيوقع عليه في آب 2023 بين الرئيس بايدن وطالبان، الذي في اطاره تم تنفيذ الانسحاب المشوش والمخجل للقوات الامريكية المتبقية.
ترامب، الذي اثبت في حينه انه غير ملزم بقواعد اللعب السياسية والدبلوماسية المقبولة، أو منظومة علاقات تعتبر مسلمات، لم يتاثر أيضا من ان ممثله آدم بهلر التقى في هذه السنة مباشرة مع رئيس حماس خليل الحية لمناقشة معه قضية المخطوفين والسيطرة في غزة. بهلر في الواقع تم عزله عن منصبه بعد ذلك، لكن هذه السابقة وجدت، إسرائيل التي ليست جزء من الاتفاق مع الحوثيين يمكنها فقط الاستنتاج بأن مكانتها الآن أصبحت تشبه مكانة السعودية في 2019. من الآن فصاعدا، على الأقل طالما أن الطرفين ينفذان الاتفاق فان هذه لم تعد حرب الولايات المتحدة.
قائمة الإرهابيين الذين توافق الإدارة الامريكية على اجراء مفاوضات معهم يضاف أيضا الرئيس السوري احمد الشرع، الذي التقت معه شخصيات أمريكية رفيعة حتى في فترة ولاية الرئيس جو بايدن. مؤخرا التقى معه أعضاء كونغرس من الحزب الجمهوري، الذين سمعوا منه بأنه مستعد للانضمام الى اتفاقات إبراهيم بشروط معينة. الشرع الذي في زيارته الأولى في أوروبا التقى في هذا الأسبوع مع الرئيس الفرنسي عمانويل ماكرون وسبق واجرى لقاءات مع زعماء السعودية، اتحاد الامارات وقطر، يرسل من خلال وسطاء طلبات للالتقاء مع ترامب عندما سيأتي لزيارة دول الخليج في الأسبوع القادم. حتى الآن من غير المعروف اذا كان سيخرج لقاء كهذا الى حيز التنفيذ، لكن الولايات المتحدة تجري مع دمشق نقاشات فعلية حول رفع العقوبات التي فرضت على سوريا من اجل السماح بتدفق الأموال والاستثمارات اليها. وهي أيضا اعفت قطر من هذه العقوبات عندما سمحت لها بارسال عشرات ملايين الدولارات لادارة الشرع لتمويل دفع الرواتب.
إسرائيل التي بدات امس في باكو عاصمة أذربيجان جولة أخرى للمحادثات مع تركيا حول إقامة آلية تنسيق لنشاطاتها في سوريا، يجب عليها من الآن فصاعدا مواجهة قيود جديدة على حجم وطبيعة عملها في المجال الجوي والبري في سوريا. هي سيجب عليها الاخذ في الحسبان ليس فقط موقف تركيا، بل بالأساس سياسة واشنطن الجديدة التي تعتبر تركيا ذراع حيوية لمحاربة داعش، وهي الدولة التي ستحل محل القوات الامريكية التي بدأت بالانسحاب من سوريا.
الاتفاق مع الحوثيين والتقارب العلني من النظام السوري وتعزز التحالف مع تركيا، وهي الخطوات التي تم دفع إسرائيل فيها الى مدرج المتفرجين، تشير الى ملامح الخارطة الجيوسياسية التي يطمح ترامب الى رسمها. هذه خارطة تلزم في الواقع الولايات المتحدة بالتدخل الآن بشكل مباشر وأن تدس يدها في المواجهات، لكن فقط من اجل تمهيد الطريق للانسحاب منها في المستقبل القريب وترك للاعبين المحليين إدارة شؤونهم. هذه الخارطة لا تعطي لإسرائيل دور رئيسي، وترامب أيضا يلمح بأنها لن تشارك فيها اذا كانت ستشوش خطواته.
الانعطافة الدبلوماسية امام ايران هي النتيجة الأكثر اثارة للانطباع لسياسة العزلة لترامب، التي لا تتردد في أن تسحق تحالفات وتفاهمات تاريخية في الطريق الى تطبيقها. بدون اشراك الاتحاد الأوروبي، ومن خلال وضع مطرقة ثقيلة على راس نتنياهو، دخل في مفاوضات مع ايران وكأنها صفقة أمريكية – إيرانية خاصة، التي اذا تم التوقيع عليها فسيتم تقديمها على انها انجاز شخصي لترامب وتاطيرها على أنها الاتفاق الأفضل، حتى لو كان يصعب العثور على اختلاف بينها وبين الاتفاق النووي الأصلي الذي وقع عليه في 2015. لطالما كان ينظر الى إسرائيل، الدولة الأكثر تعرضا لتهديد ايران، بأنها تمتلك “الامتياز” الحصري لتحييد هذا التهديد. الآن هذا الامتياز تم سحبه منها من قبل نفس الرئيس الأمريكي الذي خضع في السابق لضغوط إسرائيل، الامر الذي تسبب في تحويل ايران الى دولة حافة نووية.
صفقة القرن الاقتصادية أولا
“مصير” مشابه ينتظر قطاع غزة، وهو منطقة حرب تمتلكها اسرائيل بشكل كامل، والتي فيها لعبت الولايات المتحدة حتى الآن فقط دور الركيزة العسكرية والسياسية، وكوسيطة رئيسية في صفقة المخطوفين، والآن يمكن أن تنتقل الى إدارة أمريكية. بالصورة التي تدير فيها إسرائيل الحرب، تجويع سكان القطاع في الطريق الى الاحتلال الكامل له، فقد حولت إسرائيل غزة الى تهديد إقليمي، تداعياته بالنسبة للولايات المتحدة أوسع بكثير من بؤر الاشتعال المحلية، مثل الاشتباك مع الحوثيين وصراع السيطرة في سوريا وتدمير حماس وحزب الله.
عندما تحذر جهة أمريكية رفيعة من أنه اذا لم تستيقظ إسرائيل فان الولايات المتحدة من شأنها أن تدفع قدما بصفقة مع السعودية بدونها، وهذا استمرار مباشر لسياسة سبق وان بدأ تطبيقها – التي بحسبها ترامب لن يسمح لإسرائيل بتخريب “صفقة القرن” الاقتصادية الخاصة به مع المملكة، التي تشمل، ضمن أمور أخرى، شراء عسكري بمبلغ 100 مليار دولار واستثمارات سعودية بمبلغ تريليون دولار تقريبا في الولايات المتحدة.
ترامب الذي استوعب بالفعل استحالة مشروع ريفييرا غزة ونقل مليون غزي، عاد الى لوحة الرسم، يبدو أنه لن يكتفي بعملية أمريكية فقط بتعاون عربي لتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة. ورغم غضب ائتلاف نتنياهو إلا أن من شأنه أيضا أن يرسم هيكلية اليوم التالي، التي ستعتمد على اقتراح مصر. هكذا، مثلما فعل مع الحوثيين وايران وسوريا، فان ترامب قد يحول غزة الى حربه الخاصة – التي فيها سيملي شروطه ويتوقع الطاعة. ولا يستطيع ان يترك شق طريقه الى جائزة نوبل لمقاول من الباطن، حتى لو كان اسمه إسرائيل.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2025-05-09 15:51:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>