العودة إلى المدرسة في زمن الحرب
تصديقاً لما قاله رئيس جنوب أفريقيا السابق نيلسون مانديلا إنّ «التعليم هو السلاح الأقوى الذي يمكنك استخدامه لتغيير العالم»، يُعدّ استمرار التعليم في ظلّ الحرب الدائرة في الجنوب وسيلة للمقاومة. لكن، هل يمكن للتلامذة فعلاً تجاوز الظروف التي يمرّون بها وحالة اللااستقرار الدائمة والاستعداد لخوض عام دراسي جديد؟يتملّك هذا الهاجس أولياء الأمور، «فطريق العودة إلى المدرسة محفوف بالتحدّيات التي تتجاوز مجرد استئناف الأنشطة الأكاديمية، ويتعرّض الأطفال بشكل خاص للصدمات والاضطرابات، ما من شأنه أن يعيق قدرتهم على العودة إلى روتين المدرسة الطبيعي»، بحسب مسؤول لجنة الأهل في إحدى مدارس الجنوب. وينسحب هذا الارتباك وهذا القلق على القيّمين على المدارس، ولا سيما في المناطق التي تتعرّض للاعتداءات، في ظل التوجّس من توسّع المعارك. وما زاد الطين بلّة ازدياد أعداد النازحين الذين يحاولون تدبّر أمورهم في أماكن نزوحهم بعيداً عن منازلهم وقراهم، وعدم توفر الظروف الملائمة للعودة إلى المدرسة، إضافة إلى عدم معرفة الأهالي كم ستطول الحرب لاتخاذ قرار تسجيل أولادهم في مدرسة في منطقة نزوحهم.
وقلق الأهالي من حالة الاضطراب واللااستقرار التي يعيشها أطفالهم مبرّر، نظراً إلى الآثار الدراماتيكية التي تحملها الحرب على الأطفال خصوصاً، كما تشير الدراسات، ولا سيما الضغوط العاطفية، كون الطفل لا يمتلك القدرة العقلية على إنشاء سرد متماسك لهذه الأحداث بمفرده لأنّه غير قادر على معالجتها، إلى جانب الآثار الطويلة الأمد على النمو المعرفي، والعاطفي، والاجتماعي على حدّ سواء. وتحمل تجارب الطفولة السلبية المرتبطة بالصراع، مثل النزوح والتعرّض للعنف، تبعاتها على نمو الدماغ، ما يزيد من خطر اضطرابات الصحة النفسية والحالات الصحية المزمنة في وقت لاحق من حياة الأطفال. وتربوياً، تؤثّر الحرب وتداعياتها والافتقار للدعم النفسي والاجتماعي على التحصيل العلمي خصوصاً للتلامذة الأصغر سنّاً الذين يمتلكون آليات تعبير أقلّ حول ردود الفعل العاطفية مثل الخوف والقلق.
رغم كلّ ما سبق، يبقى الذهاب إلى المدرسة أمراً في غاية الأهمية، تحديداً في زمن الأزمات والحروب، لأن المؤسسات التعليمية، شأنها شأن الأسر، يجب أن توفّر ملاذاً آمناً وبيئة واقية تساعد الأولاد على العودة إلى الحياة الطبيعية. فكيف يمكن تأمين ظروف العودة إلى المدرسة رغم استمرار الحرب؟
قدّم العديد من العلماء والمتخصّصين رؤى قيّمة للتعامل مع الأطفال في أوقات الأزمات، من بينهم الطبيب النفسي وعالم الأعصاب المتخصص في صدمات الطفولة بروس د. بيري، الذي يؤكّد على «أهمية تزويد الأطفال بالسلامة والتواصل والتنظيم في أوقات الأزمات»، داعياً إلى «خلق بيئات داعمة ورعاية العلاقات لمساعدة الأطفال على التعامل مع الشدائد». من جهته، يرى عالم النفس والخبير في محو الأمية العنصرية والصدمات هوارد ستيفنسون أنّه «غالباً ما يواجه الآباء صعوبة في معرفة أفضل السبل للاستجابة لأولادهم في هذه الظروف، ويمكننا البدء بالشرح للأبناء مقدار وأوجه العنف الفظيع الذي يُرتكب حولهم، مع التذكير دوماً بأنّها حالة مؤقتة، وسنتغلّب عليها ونتجاوزها».
إذاً، لا بدّ للأبناء أن يتعلّموا كيف يواصلون حياتهم في ظلّ الاضطرابات. بالنسبة إلى عمر المراهقة وما دون، يساهم التقليل من الخسائر أو تجاهلها باعتبارها غير مهمة في الجانب الخفي من الصدمة، وفي ممارسة العنف على الذات، على عكس التواصل المفتوح مع الأولاد وتشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم ومخاوفهم وطرح أسئلتهم، وطمأنتهم. فيما يتعيّن على الأهالي معرفة المعلومات والأخبار التي يتعرّض لها أطفالهم خصوصاً الأكبر سناً الذين لديهم إمكانية الوصول إلى الهواتف المحمولة أو وسائل الاطّلاع الأخرى، والحدّ من تعرضهم للأخبار أو المناقشات التي قد تكون مؤذية. وإلى ذلك، يساعد الحفاظ على الروتين ومتابعة النشاطات المعتادة في زمن الاضطرابات في إشعار الأولاد بالأمان، كما تساعد ممارسة الهوايات واستكشاف المنافذ الإبداعية وممارسة النشاطات في مجالات الرياضة والألعاب والفنون كالرسم أو الموسيقى أو المسرح في تخفيف التوتر، وقد أثبتت هذه النشاطات فعاليتها كأدوات للشفاء العاطفي تسمح للتلامذة بالانتقال من أنماط الحياة المضطربة إلى بيئة مدرسية منظّمة.
خلال اجتماع للجنة الأهل مع الإدارة التربوية في إحدى المدارس على أعتاب العام الدراسي الجديد، سأل والد طفلة في العاشرة من عمرها: «كيف نساعد أطفالنا على تجاوز الاضطرابات عندما نكون نحن بحاجة إلى المساعدة للسيطرة على غضبنا وانفعالاتنا وحالات القلق والعصبية التي تلازمنا وتصل أحياناً إلى حدّ الاكتئاب؟»، فنصحته المسؤولة عن الإرشاد التربوي «بالحفاظ على التفاؤل والإيجابية والصبر، وتأدية المسؤوليات اليومية مع ضرورة ترك بعض الوقت لأنفسنا للراحة وتنفيذ أنشطة روحية أو ثقافية أو ترفيهية تبثّ الروح الإيجابية لدينا».
في المحصّلة، يمكننا القول إنّ عملية التعليم والتعلّم في زمن الحرب ليست سهلة على الإطلاق، لكنّ التربية بحد ذاتها رحلة تعلّم مستمرة، ويتطلّب التكيّف مع الأوقات الصعبة مرونة دائمة. على أنّ إيجاد بيئة مدرسية تلهم الأمل، وتعيد بناء المستقبل، وتعزّز الشعور بالأمان خلال أوقات الأزمات، يتطلّب نهجاً متكاملاً يعالج الاحتياجات العاطفية والأكاديمية والاجتماعية للتلامذة أنفسهم، من دون إغفال إشراك الآباء والمجتمع الأوسع في خطط السلامة المدرسية.
The post العودة إلى المدرسة في زمن الحرب appeared first on LebanonFiles.