هل تُستأنف الحرب جنوبا؟
في ظل ارتفاع وتيرة التصعيد الإسرائيلي واتساع دائرة الاستهداف التي تطال مناطق مأهولة من الجنوب الى البقاع والضاحية الجنوبية، يطرح البعض تساؤلات حول ما إذا كان لبنان على مشارف حرب جديدة. ثمة من يرى أن ما يجري لن يؤدي إلى الحرب، وان الوقائع والمؤشرات تدل على ذلك، وآخر يرى بأن الوضع الحالي لا سيما في داخل الكيان قد يُفضي إلى بين المقاومة والاحتلال.
أولاً: أهم المؤشرات الموجبة للحرب على لبنان
–فشل “إسرائيل” في إعادة المستوطنين إلى الشمال: رغم مرور أكثر من 6 أشهر على انتهاء الحرب مع لبنان، لا تزال المستوطنات الشمالية فارغة، ما قد يدفع الكيان إلى استخدام الحرب كوسيلة لضمان عودتهم.
-محاولات تغيير الواقع الميداني جنوباً: عمليات التجريف والدخول البري إلى بلدات مثل بليدا وميس الجبل قبل أسبوعين عندما دخل جنود الاحتلال إلى القرية في الليل والناس نيام في منازلهم، وهذه تُعد خروقات فاضحة، ومحاولة اسرائيلية لإيجاد حزام أمني وتوسعته.
-استمرار الخطاب حول سلاح المقاومة: الكيان لا يزال يتذرع بتخزين السلاح ومواقع الإنتاج للصواريخ والمسيرات كمبرر مشروع لأي عملية عسكرية، سواء كانت محدودة أو واسعة.
-الأزمة الراهنة التي يمر بها الكيان لا سيما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو واحتمال انهيار الحكومة وحل الكنيست، ما يدفع نتنياهو للتصعيد في إحدى الجبهات ضمن سياسة الهروب الى الأمام، ومن هذه الجبهات لبنان او إيران لا سيما بعد الفشل الذريع في اليمن، والحائط المسدود في غزة.
–احتمال فشل أو نجاح مفاوضات إيران النووية: إذا نجحت المفاوضات النووية، أو عُزلت “إسرائيل” عنها، قد يشعر نتنياهو بالحاجة لإثبات جديته واستعراض قوته بعدوان واسع على لبنان.
-استخدام كيان الاحتلال للجيش اللبناني للكشف على المواقع التي يحددها له والتي يزعم وجود أسلحة فيها وما ينطوي على هذا الأمر من خطورة تهدد السيادة اللبنانية، وتسلب الجيش إرادته وهيبته.
–ارتفاع السقف : الانتقال من غارة أو غارتين إلى تنفيذ تسع غارات على الضاحية الجنوبية في يوم واحد، يُظهر توسيعاً في بنك الأهداف بالإضافة إلى تصريح وزير المال سموتريتش “لن نسمح لحزب الله أن يرفع رأسه ويهددنا”.
–الاغتيالات في عمق الجنوب: تنفيذ اغتيالات في مناطق مكتظة سكنياً كبلدة الشهابية (ثاني أيام العيد)، وهذا ما يعكس تطاولاً متزايداً وتمادياً في العدوان.
-ال الأميركي-الإسرائيلي عدم التمديد لقوات الطوارئ الدولية اليونيفل في جنوب لبنان يعتبر مؤشرا على رغبة الإسرائيلي بإيجاد حزام أمني موسع حتى نهر الليطاني من خلال عملية عسكرية برية جديدة.
ثانياً: أهم المؤشرات غير الموجبة للحرب
-الضغط الأميركي: واشنطن تُمارس ضغوطاً جدية على حكومة نتنياهو لعدم توسيع الحرب، خاصة في ظل المفاوضات الحالية مع إيران، ورغبة ترامب بالتوصل الى اتفاق، ووقف الحروب في المنطقة.
-سحب الفرق العسكرية الهجومية من الشمال: أقدم الاحتلال قبل أسابيع على سحب وحدة الجليل الهجومية (الوحدة 96) من شمال فلسطين المحتلة، وأعاد الوحدات الجغرافية ذات الطابع الدفاعي أي الوحدة 146 والوحدة 36 اليها، ما يُعد مؤشراً واضحاً على غياب النية لشنّ حرب وشيكة.
–عدم توفر بنك أهداف عن المقاومة لدى العدو: الكيان يفتقر حالياً إلى معلومات دقيقة عن استعدادات الحزب ومراكزه ومنشآته المستحدثة وهيكليته التنظيمية والجهادية، وعموما ليس لديه بنك اهداف مهم عن المقاومة التي تعتمد “الصمت الاستراتيجي”، وتواصل عملية الترميم وتعزيز القدرات في سرية مطلقة، ما يجعل أي عدوان إسرائيلي جديد دون نتيجة تذكر.
– حرب الاستنزاف ليست من مصلحة إسرائيل: لا يضمن الاحتلال أن الحرب مع لبنان ستكون قصيرة، وهو يدرك أن الدخول في معركة مفتوحة مع حزب الله قد يؤدي إلى استنزاف عسكري واقتصادي طويل الأمد، وتجربته الأخيرة دليل على هذا.
-اختبر جيش الاحتلال العملية البرية خلال 66 يوما من ملاحم الصمود التي كتبها المجاهدون بدمائهم، وحالوا دون قدرة اكثر من 70 الف جندي من الدخول الى لبنان والوصول الى نهر الليطاني وتحقيق الاهداف، واستطاع الإسرائيلي التوغل 3 كلم في احسن التقديرات.
-التكلفة الاجتماعية والاقتصادية الهائلة التي تكبّدها شمال الكيان خلال، والتي وثّقها معهد “غوتسمان” في دراسة حديثة، حيث تبين أن:
80% من شباب المستوطنات لا يرغبون بالعودة إلى الشمال.
60% من المستوطنين لم يعودوا حتى اليوم.
يعاني معظم المستوطنين من اضطراب ما بعد الصدمة.
تراجع تسجيل الطلاب في المدارس بنسبة 50%.
تعرّضت 40% من الأراضي الزراعية في الجولان المحتل لأضرار.
أُغلقت 30% من المحال التجارية في “كريات شمونة”.
في ظل هذه المؤشرات السياسية، والنفسية والاقتصادية، فإن شنّ حرب جديدة قد يُفقد الكيان سيطرته بالكامل على الشمال، وقد تصبح الهجرة الدائمة خياراً مرجّحًا بدلاً من “النزوح المؤقت”، ما يفسّر ميل القيادة الإسرائيلية إلى الضربات الموضعية والاغتيالات بدل الذهاب إلى مواجهة شاملة.
-الاعتراف الصريح من وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بصعوبة الاستمرار في الحرب، حيث قال: لا يمكن الاستمرار في الحرب إلى الأبد، وهناك ضغوط دولية وداخلية بسبب جنود الاحتياط وحالة الاقتصاد”.
-تصاعد الأزمة السياسية داخل الكيان: مع “القناة 13” أن أحزاب المعارضة ستتقدّم اليوم بمشروع قانون لحلّ الكنيست. هذا التوقيت الحرج يعكس هشاشة القرار السياسي وضعف الجبهة الداخلية، ما يجعل أي قرار بفتح حرب شاملة بمثابة مغامرة قد تعصف بالنظام السياسي بأكمله.
الاستنتاجات:
بناءً على المعطيات أعلاه، ترجّح الكفة باتجاه عدم نشوب حرب إسرائيلية جديدة مع لبنان في المستوى القريب والمنظور، وأن تستمر الحالية جنوباً وصولا الى الضاحية الجنوبية لبيروت، لكن مع عدم نفي خيار الحرب كلياً فلا يمكن الثقة بالعدو لا سيما نتنياهو الذي يتصرف كثور هائج ويشعل الحروب على عدة جبهات. قد يكون السبب الاهم وراء ذلك أن إسرائيل قادرة اليوم على تنفيذ اغتيالات في لبنان، وإصابة أهداف، وتدمير مواقع في العمق اللبناني دون الحاجة للدخول في حرب مكلفة بشريا وماديا، فالاستفادة من هذا الواقع أفضل لها من خوض حرب واسعة. أما في حال أقدم الاحتلال على الحرب، فإنه سيخاطر بفقدان السيطرة الكاملة على الجبهة الشمالية، ما يؤدي إلى انهيار ثقة المستوطنين بعودتهم. كما أن أي حرب شديدة ستمنح الفرصة للمقاومة باستعادة الردع وترميمه إن لم تؤدِ إلى نتائج حاسمة، وهو ما لا تملكه “إسرائيل” اليوم على صعيد نقص الجنود لديها، ونقص المعلومات عن البنية والهيكلية الجديدة للمقاومة وقيادتها الجهادية.
نشر الخبر اول مرة على موقع :alkhanadeq.com
بتاريخ:
الكاتب:
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي