الهند تشترط استبدال رادار “سو-57” قبل إتمام الصفقة، ما يثير قلقًا في الأوساط الدفاعية الروسية
وبحسب مصادر دفاعية هندية، يتمحور الخلاف الأساسي حول رادار N036 “بييلكا” العامل بتقنية المصفوفة النشطة الممسوحة إلكترونيًا (AESA)، والمبني على أشباه موصلات من زرنيخيد الغاليوم (GaAs)، والذي ترى الهند أنه لا يفي بمعايير المدى والكفاءة ومقاومة الحرب الإلكترونية المطلوبة في أنظمة الرادار من الجيل التالي.
ويؤكد خبراء هنود أن راداراتهم المحلية المبنية على تكنولوجيا نيتريد الغاليوم (GaN) — المعروفة بقدرتها العالية على التبريد الذاتي، ومدى الكشف الطويل، ودقة الإشارة — أكثر ملاءمة لمتطلبات القتال الجوي عالي الأداء من الجيل الخامس.
وتسعى الهند إلى تزويد النسخة التصديرية من المقاتلة الروسية برادار “أوتام” (Uttam AESA Radar)
الهندي المستخدم في مقاتلات “تيجاس”، أو رادار “فيروباكشا” (Virupaksha) الذي يجري دمجه حاليًا ضمن برنامج تحديث مقاتلات “سو-30 إم كا آي” الهندية تحت مسمى “سوبر-30″، وكلاهما من إنتاج منظمة البحث والتطوير الدفاعي الهندية (DRDO)، ويعتمدان على تكنولوجيا GaN.
تتماشى هذه المطالب مع عقيدة “الهند المستقلة” (آتمنربهار بهارات)، التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على الموردين الأجانب وتعزيز السيادة التقنية الوطنية، لاسيما في مجال الصناعات الدفاعية الحساسة.
ومن الناحية التقنية، توفر رادارات AESA المبنية على GaAs أداءً موثوقًا، لكنها محدودة من حيث كفاءة الطاقة وتحمل الحرارة، وهما عنصران أساسيان في بيئات القتال الجوي الحديثة متعددة المجالات. أما أنظمة GaN، فقد أصبحت المعيار الذهبي لمقاتلات الجيلين الخامس والسادس عالميًا، وتُستخدم في منصات مثل رادار AN/APG-81 في مقاتلات F-35، والرادار الصيني KLJ-5، وبرنامج المقاتلة اليابانية J/F-X.

وترى موسكو في رفض نيودلهي للنسخة القياسية من “سو-57 إي” تحديًا مباشرًا لمكانتها التكنولوجية في مجال الدفاع، خصوصًا بالنظر إلى الأهمية الجيوسياسية للهند كأحد أكبر عملاء السلاح الروسي.
ولتهدئة المخاوف الهندية، وفي محاولة للتفوق على مقاتلة F-35A الأمريكية التي تعرضها واشنطن بهدوء على نيودلهي، عرضت روسيا، بحسب تقارير هندية، تزويد الهند بكامل شيفرة المصدر (Source Code) اللازمة لدمج الأنظمة المحلية برمجياً ومادياً داخل المقاتلة.
ومن المنتظر أن تتضمن النسخة التصديرية “سو-57 إي” المقترحة للهند عناصر من برنامج “سوبر-30” الهندي، من بينها رادارات GaN وأنظمة كمبيوتر ميدانية محلية، بما يجعلها أكثر توافقًا مع البيئة العملياتية لسلاح الجو الهندي.
ويمثل برنامج “سوبر-30” خارطة طريق الهند لرفع مقاتلات “سو-30 إم كا آي” إلى مستوى قريب من الجيل الخامس، عبر دمج تقنيات متقدمة في مجالات الحرب الإلكترونية، وأنظمة الملاحة، والأسلحة الدقيقة.
وفي حال مضت الهند قدمًا في صفقة “سو-57 إي”، فمن المتوقع أن تزود الطائرة بصواريخ جو-جو هندية مثل “أسترا” بعيدة المدى، وربما أسلحة دقيقة أخرى قيد التطوير، ما يعزز الاستقلالية العملياتية ويقلل الاعتماد على ذخائر مستوردة.
وتبرز خلفية هذا التشدد الهندي في الخلاف الممتد مع فرنسا بشأن شيفرة مصدر مقاتلات “رافال”، حيث عطّل غيابها دمج صواريخ محلية مثل “أسترا Mk1″ و”رودرام” المضادة للإشعاع، على الرغم من الصفقة التي أبرمت عام 2016 لشراء 36 طائرة بقيمة 7.8 مليار يورو، ورفض شركة “داسو” الفرنسية المستمر لتوفير الشيفرة الكاملة.
بينما أحرزت الهند تقدمًا في دمج بعض الأسلحة المحلية على مقاتلات “رافال”، لا يزال رفض فرنسا فتح الوصول إلى كمبيوتر المهام المعياري (MMC) وبرمجيات رادار Thales RBE2 AESA، يقيّد قدرة المقاتلة على التكيف مع متطلبات المهام الهندية الخاصة.
وقد رسخت هذه التجربة توجّه السياسة الدفاعية الهندية نحو المطالبة الكاملة بحقوق شيفرة المصدر، وضمان توافق أي مقاتلات مستقبلية بشكل كامل مع التقنيات الهندية منذ البداية.
ولتعزيز عرضها، اقترحت روسيا أيضًا إنتاجًا مرخّصًا محليًا لمقاتلات Su-57E في الهند، حيث صرّح السفير الروسي لدى نيودلهي، دينيس أليبوف، قائلًا: “هذه المقاتلة (Su-57E) تنافسية للغاية، ونحن لا نعرض بيعها فقط، بل أيضًا التعاون في إنتاجها. نحن مستعدون لنقل التكنولوجيا وتطوير البنية الصناعية المطلوبة.”
وأضاف: “علاوة على ذلك، نحن منفتحون على إمكانية التعديل على الطائرة بناءً على متطلبات الهند. إنه عرض جذّاب للغاية.”
يتماشى هذا الطرح مع تصريحات حديثة لوكالة “روس أوبورون إكسبورت” الروسية لتصدير الأسلحة، التي أكدت أن الهند يمكنها الشروع فورًا في إنتاج Su-57E باستخدام خطوط الإنتاج الحالية لطائرات Su-30MKI، والتي شهدت تصنيع أكثر من 222 طائرة بموجب ترخيص محلي.
وفي تقرير نشرته وكالة تاس الحكومية الروسية بتاريخ 7 مارس، جددت “روس أوبورون إكسبورت” استعدادها لإعادة توظيف بنية إنتاج Su-30MKI لتصنيع مقاتلات Su-57E محليًا، إذا ما أبرمت الهند الصفقة رسميًا.
وجاء في البيان:
“إذا اتخذت الهند قرارًا إيجابيًا، يمكن البدء سريعًا في إنتاج مقاتلات Su-57E من الجيل الخامس في نفس المنشآت التي تنتج حاليًا Su-30MKI.”
وفي الوقت الذي توازن فيه نيودلهي بين العرض الروسي لمقاتلة Su-57E والمقاتلة الأمريكية F-35A، قد لا يكون عامل الحسم متعلقًا فقط بميزات التخفي أو المدى، بل بمدى تحقيق الاستقلالية التقنية، وحرية الوصول إلى البرمجيات، وتكامل المقاتلة مع المنظومة الدفاعية المحلية.
ومع دخول القتال الجوي من الجيل الخامس عصرًا جديدًا من الرادارات المعززة بالذكاء الاصطناعي، والأداء المدفوع بتقنية GaN، والحرب الشبكية، فإن إصرار الهند على الدمج الكامل والتحكم في شيفرات المصدر قد يعيد رسم ملامح الشراكات الدفاعية متعددة الأطراف في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
مصدر الخبر
| نُشر أول مرة على: www.defense-arabic.com
| بتاريخ: 2025-06-21 08:45:00
| الكاتب: نور الدين
إدارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب أو الخبر المنشور، بل تقع المسؤولية على عاتق الناشر الأصلي