قلق إسرائيلي بعد أنباء قرب حصول مصر على مقاتلة شبح صينية مكافئة للـ”إف-35″ الأمريكية
وتؤكد القاهرة عزمها على تنويع مصادر السلاح، لكن لماذا يثير التعاون العسكري بين مصر وبكين هذا القلق في واشنطن؟ وما أهمية هذه الصفقة بالنسبة لمصر، خصوصاً وأنها تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات بين القاهرة وواشنطن توتراً ملحوظاً؟
ويرى الخبير العسكري المصري العميد محي الدين أن هذه الصفقة تحمل دلالات مهمة جداً للدولة المصرية وللقوات المسلحة. أولاً، هي دليل واضح على عمق الشراكة الاستراتيجية التي تم تفعيلها بشكل كامل في عام 2024، بعد توقيع الاتفاقية بين الجانب المصري والصيني في بكين، والتي وضع خلالها ضوابط التعاون في المجالات الدفاعية والأمنية. وهذا أمر في غاية الأهمية.
ثانياً، مصر تسعى لتنويع مصادر تسليحها. “لدينا أسلحة من الجانب الغربي، وأخرى من الجانب الشرقي، ومنها صفقة الرافال التي تم التعاقد عليها مؤخراً. طائرة الرافال تعد من أحدث وأقوى الطائرات في جيل 4.5، وتقوم بدور كبير في تعزيز القدرات القتالية للقوات المسلحة المصرية. رغم الجدل الذي حدث مؤخراً بين الهند وباكستان حول قدرات هذه الطائرة، أؤكد أن الأسباب كانت تتعلق بضعف في تدريب الطيارين، أما في مصر فالطائرات تؤدي مهامها بكفاءة عالية”.
بالإضافة إلى ذلك، هناك اتفاقية جانبية مع الصفقة تتعلق بالتحديث المستمر لأحدث التكنولوجيا الفرنسية المستخدمة في هذه الطائرات.
فيما يخص التعاون المصري الصيني، قال محي الدين أنه “يمتد لسنوات طويلة، رغم بعض التراجعات نتيجة الضغوط الأمريكية على نظام مبارك سابقاً، وخشية الصين من عدم استقلال القرار المصري”. لكن في العقد الماضي، خاصة منذ أول زيارة للرئيس عبد الفتاح السيسي في 2014، تحسنت العلاقات بشكل كبير ووُقعت اتفاقية استراتيجية في 2024، حيث أصبحت مصر شريكاً موثوقاً في الشرق الأوسط، ومنتسبة لمبادرة الحزام والطريق.
السؤال الآن، هل تعكس هذه الصفقة تحوّلاً في السياسة الخارجية المصرية وتقليلاً للاعتماد على السلاح الأمريكي؟
وقال محي الدين بهذا الخصوص إن الجانب الأمريكي لم يعد مستقراً في علاقاته الاستراتيجية عبر العالم منذ 2001، ومصر شهدت تردد الجانب الأمريكي في التعامل معها، حيث تعطي واشنطن الأولوية لإسرائيل على حساب التعاون مع الدول العربية، ومن ضمنها مصر. وقال: “علاقتنا مع أمريكا لا تتجاوز التعاون الاستراتيجي، وليست شراكة أو تحالفاً استراتيجياً. ومصر، كونها دولة مركزية في المنطقة، لا يمكن أن تقبل بتهميش دورها أو الهيمنة الإسرائيلية على الشرق الأوسط.”
وأضاف أن الصين ترى في مصر شريكاً مستقراً وموثوقاً، وهي تحمي استثماراتها الكبيرة في البلاد. مصر من جانبها ماضية في توطين الصناعات المتقدمة، خصوصاً تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، التي كانت فكرة سباقة قبل التفكير في صفقات السلاح. الصين لديها رغبة واضحة في دعم مصر لتكون بوابة دخولها إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد تتحول إلى شريك استراتيجي كما كانت واشنطن من قبل.
واشار إلى أنه “من المتوقع يقوم الرئيس الصيني بزيارة إلى مصر، والتي ستُظهر عمق هذه الشراكة، ولن تتراجع مصر عنها مهما تغيرت الظروف، خاصة مع ما يحدث في الشرق الأوسط من تقلبات واستراتيجيات أمريكية متغيرة مع تغير رؤساء الولايات المتحدة وسياساتهم، فضلاً عن السيطرة الإسرائيلية على القرار الأمريكي في بعض الفترات”.
وقال بأن مصر تحتاج إلى شراكات استراتيجية متوازنة بين الشرق والغرب دون دفع ثمن سياسي باهظ. “العلاقة مع أمريكا ليست تحالفاً استراتيجياً، وهذه نقطة ضعف في واشنطن وليس في مصر. رغم أن مصر أرست السلام في المنطقة، إلا أن واشنطن لا تزال مترددة في تعزيز هذه العلاقة”.
وقال أيضاً، مع التطور التكنولوجي السريع، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، وتفوق الصين في هذا المجال، من الصعب لمصر أن تكتفي بالعلاقات التقليدية، بل يجب أن تبحث عن شركاء موثوقين لتوطين هذه الصناعات وتعزيز قوتها الشاملة، دون الإضرار بالعلاقات مع واشنطن.
فيما يتعلق بتصريحات الجانب الأمريكي الأخيرة حول قناة السويس، والقناة كمعبر مائي دولي يخضع لاتفاقية دولية، قال محي الدين: “لا يمكن تجاهل هذه التصريحات بسهولة. مصر اليوم أكثر استقراراً نفسياً ومعنوياً وقادرة على قيادة المنطقة نحو المستقبل دون الخضوع لأي ضغوط خارجية”.
وأشار إلى أن “مصر تدعم السلام والاستقرار، لكنها لن تتراجع أو تصمت تجاه التهديدات التي تمس أمنها القومي، سواء من إسرائيل أو غيرها. نحن نحتاج الصين في تعاطينا مع السودان وليبيا، وربما في صفقات سلاح جديدة لم تُعلن بعد.”
فيما يخص العلاقة الأمريكية المصرية، رغم توترها، قال بأن هناك جهود أمريكية لإصلاحها، لكن التحديات قائمة، خصوصاً بعد تصريحات ترامب المتعلقة بالقضية الفلسطينية. ومع ذلك، مصر أثبتت أنها دولة مركزية لا تتغير قراراتها بسهولة، وهي ركيزة الأمن والاستقرار في المنطقة.
ختاماً، هذه الصفقة مع الصين تُضاف إلى صفقات سابقة مع فرنسا، وتثير قلق واشنطن التي تراها في سياق تنافسها مع بكين. في حال حدث تفاهم صيني أمريكي، فإن ذلك سيؤثر على التوازن في علاقات القاهرة مع الطرفين. لكن مصر تمضي في طريقها وفق استراتيجيات مدروسة ومتزنة، وستلقى دعماً عربياً وإقليمياً في ذلك.
مصدر الخبر
| نُشر أول مرة على: www.defense-arabic.com
| بتاريخ: 2025-06-23 09:57:00
| الكاتب: نور الدين
إدارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب أو الخبر المنشور، بل تقع المسؤولية على عاتق الناشر الأصلي