هآرتس: هكذا فشل تصور ايران، ما الذي يجب أن تتعلمه اسرائيل من ذلك
هآرتس 25/6/2025، اوري بار يوسف: هكذا فشل تصور ايران، ما الذي يجب أن تتعلمه اسرائيل من ذلك
الهجوم المفاجيء الذي قامت اسرائيل بشنه على ايران في 13 حزيران هو الحلقة الثالثة في سلسلة المفاجآت الاستراتيجية في الحرب الاقليمية المستمرة منذ عشرين شهر تقريبا. الحلقة الاولى كانت هجوم حماس في 7 اكتوبر، الذي حظي بنقاش واسع. الثانية، التي لم تحصل حتى الآن على الاهتمام الكافي هي المفاجأة التي حصل عليها حزب الله. لاسباب غير معروفة حتى الآن تمسك حسن نصر الله حتى اللحظة الاخيرة بايمانه أن اسرائيل ما زالت تعمل حسب قواعد اللعب المتبعة هنا خلال سنوات، وامتنع عن استخدام منظومة صواريخه حتى بعد تحييد آلاف اعضاء حزب الله في عملية “البيجرات”، وتدمير سلاح الجو الاسرائيلي لجزء كبير من ترسانة الصواريخ والقذائف في عملية “اسهم الشمال”. مفاجأة حسن نصر الله وصلت الى الذروة، كما يمكن الافتراض، عند تصفيته هو وقادة التنظيم في الحصن في بيروت.
الحلقة الثالثة في سلسلة المفاجآت كانت من نصيب قيادة ايران في 13 حزيران. في الحقيقة لا توجد حتى الآن تفاصيل كثيرة عن مستوى الاعداد للضربة الاسرائيلية المفاجئة، ولكن حقيقة ان الكثير من قادة الجيش، الحرس الثوري، علماء الذرة، تمت تصفيتهم في الدقائق الاولى تشكل الدليل الواضح على عامل المفاجأة.
السؤال هو لماذا زعماء ايران، الذين منذ سنة أو اكثر كان يمكنهم تعلم من تطورات مختلفة نقاط ضعفهم المتراكمة في المواجهة مع اسرائيل، وانهم في الايام التي سبقت اندلاع الحرب حصلوا على معلومات مكشوفة، ويبدو ايضا سرية، عن نية اسرائيل للمهاجمة، ولم يتخذوا خطوات الاستعداد بالحد الادنى المطلوب؟ لماذا مثلا، بعد عدد غير قليل من التصفيات التي نفذتها اسرائيل وكثير منها في ايران نفسها، لم تهتم القيادة بنقل كبار القادة والاشخاص الى اماكن آمنة؟ سيقال على الفور: ليست لدينا المعلومات المطلوبة من اجل اعطاء اجابة مقنعة على هذه الاسئلة. ولكن هناك ما يكفي من المعلومات التي تشير الى انه في اساس فشل ايران كان يقف نموذج تفكير خاطيء، وهو نفس النموذج الذي أدى الى المفاجأة الاستراتيجية لكل من تعرض الى هجوم مفاجيء منذ بداية الحرب العالمية الثانية: اعتقاد متخذي القرارات بأنهم يخيفون العدو، لذلك هو لن يشن الحرب.
هذا كان نموذج التفكير لستالين عشية الهجوم الالماني المفاجيء على الاتحاد السوفييتي في حزيران 1941. ونموذج الادميرالات الامريكيين قبل الهجوم الياباني المفاجيء في بيرل هاربر بعد نصف سنة. ونموذج تفكير الجنرال داغلاس ماك آرثر الذي قاد قوات الامم المتحدة في كوريا قبل الهجوم الصيني في نهاية 1950. ونموذج تفكير متخذي القرارات في اسرائيل قبل الهجوم في عيد الغفران في 1973. ونموذج هجوم حماس في 7 اكتوبر. ونموذج تفكير حسن نصر الله قبل الضربة القاضية التي وجهتها اسرائيل له في ايلول 2024.
كل الدلائل تشير الى أن هذا النموذج مناسب ايضا لاحداث 13 حزيران 2025. القيادة الايرانية تفاجأت لأنها تمسكت حتى اللحظة الاخيرة باعتقادها الاساسي أن اسرائيل ستخشى من المهاجمة، رغم تراكم المؤشرات على أن هذا الاعتقاد لم يعد ساري المفعول.
من اجل فهم فشل ايران في فهم الواقع توجد اهمية، التي ليست مجرد اكاديمية. مناخ الغطرسة والثقة بالنفس الذي بدأ يتفشى في اسرائيل، بما في ذلك في الاستخبارات والجيش، التي ظهر انها تحررت بمرة واحدة من صدمة الكارثة في 7 اكتوبر، الامر الذي من شأنه ان يولد ثقة عمياء بقدرة ردع اسرائيل في المستقبل ايضا. ولان هذه بالضبط هي البيئة التي فيها يتم زرع بذور فشل الانذار القادم فمن الجدير تعلم ما الذي حدث هناك من اجل منع الكارثة القادمة التي يمكن ان تحدث هنا.
نقطة انطلاق هذا الفهم هي العنوان الذي كان مكتوب على الحائط منذ سنوات كثيرة. قصف المفاعل في العراق في 1981، “عقيدة بيغن”، التي بحسبها اسرائيل لن تسلم بوجود سلاح نووي في أي دولة معادية. وتدمير المفاعل السوري في 2007، وهي الامور التي نقشت عنوان واضح. الخوف من القنبلة الايرانية، الذي كان احد دوافع اسحق رابين للتقدم نحو حل مع الفلسطينيين، والحرب السرية التي تجري منذ 25 سنة بهدف تاخير تطويرها، وجدت التعبير في تصميم اسرائيل على منع نظام آيات الله من التوصل الى القدرة النووية. خلال ذلك تم الكشف عن امكانية اختراق وضعف المخابرات الايرانية التي فشلت مرة تلو الاخرى في المواجهة مع العمليات الاسرائيلية.
في هذا الاطار بدأت احداث حرب 7 اكتوبر تتدحرج. في الواقع ب هذه الحرب بدأت باظهار ضعف استخباري وعملياتي اسرائيلي خطير، لكن كان يجب على النظام في ايران ادراك الخطأ الناشيء منذ نيسان 2024، عند فشل الهجوم الكبير بالصواريخ الذي شنته ضد اسرائيل. كان يجب أن يكون هذا الفشل درس لقادة ايران الذين تعتبر قدرتهم على ردع اسرائيل من خلال هجوم واسع من الاراضي الايرانية محدودة جدا. كان ينبغي أن يكون فشل هجوم الصواريخ الثاني بعد ستة اشهر تقريبا قد عمق هذا القلق.
مع ذلك، في مركز التهديد الردعي ضد اسرائيل لم يكن هناك قدرة الاطلاق من ايران، بل الترسانة البالستية الضخمة التي بناها حزب الله في لبنان. عشية الحرب هذه الترسانة كانت تشمل 150 ألف صاروخ تقريبا، بينها بضع عشرات آلاف الصواريخ كانت تحمل رؤوس متفجرة بوزن نصف طن، وكانت قادرة على ضرب مركز البلاد. نتائج الدمار الذي يمكن ان تحدثه هذه الصواريخ نحن نشاهده في الضربات الضئيلة للصواريخ التي اطلقت من ايران منذ 13 حزيران. الدمار الذي كان يمكن لحزب الله أن يتسبب به كان سيكون أكبر بعشرات الاضعاف، وبصورة ما كان يكتنفه خطر شبه وجودي على دولة اسرائيل. في الحسابات الاستراتيجية الايرانية هذا التهديد – ليس حماس أو الحوثيين أو المليشيات الشيعية في العراق – كان الورقة الاساسية التي تم اعدادها لردع اسرائيل عن مهاجمة المنشآت النووية.
سلسلة العمليات المدهشة التي قامت بها اسرائيل من اجل ازالة عن جدول الاعمال زبانة التهديد الذي شكله حزب الله ترك ايران في تشرين الاول 2024 بدون عامل الردع الاكثر اهمية ضد الهجوم الاسرائيلي. واضيف الى ذلك ايضا اسقاط نظام الاسد الذي هدم لبنة اساسية في المحور الشيعي، ومهد مسار نقي من التهديد امام سلاح الجو في طريقه للمهاجمة في الشرق.
في هذه المرحلة بدأت الساعة تتكتك بشكل اكبر. الاستعداد للهجوم الشامل تم تسريعه، وفي الطرف الايراني تم تسريع التقدم في المسار النووي، وتم البدء في بناء ترسانة صواريخ ضخمة لتحل محل التي فقدها في لبنان. في السباق الذي حدث كان لاسرائيل افضلية بفضل الخيار الذي بنته خلال سنوات، والآن هي بحاجة فقط الى التطوير. من غير الواضح كم ستحتاج ايران من الوقت من اجل التوصل الى القدرة النووية العملياتية – هذه النقطة مختلف عليها بين المخابرات الامريكية والاسرائيلية. ولكن من الواضح أنه من اجل زيادة ترسانة الصواريخ فهي تحتاج الى بضع سنوات. هذه الفجوة في الجدول الزمني، التي كانت فيها ايران مكشوفة امام ضربة بدون رد ردعي موثوق بما فيه الكفاية، كان يجب أن تعزز الشعور بالحذر في طهران. لا توجد أي ادلة على أن هذا حدث حقا.
دخول دونالد ترامب الى البيت الابيض وضع فيه رئيس خلافا لاسلافه لم يستبعد كليا الخيار العسكري. في المقابل، تقلبه المعروف خلق امكانية أنه حتى لو اعطى الضوء الاخضر للهجوم، فانه يمكن ان يتراجع بدون أي مشكلة. بالنسبة لايران ترامب يعتبر ربما اخطر من اسلافه، لكن استعداده المفاجيء لاجراء المفاوضات المباشرة فتح ثغرة امامها من اجل كسب الوقت الذي يمكنها من التوصل الى قدرة عسكرية متقدمة أو التوصل الى اتفاق معقول. يبدو ان الاهتمام القليل اعطي في طهران للفجوة بين الجدول الزمني الذي وضعه ترامب نتيجة نفاد صبره الصبياني وبين اسلوب المفاوضات الايرانية، فيه البعد الزمني اكثر مرونة بكثير.
يمكن الافتراض انه لو ان متخذي القرارات في ايران يدركون ان النجوم انتظمت في صالح الخيار العسكري لكانوا اتبعوا اسلوب اكثر حذرا في الاستعداد لمواجهته، وفي موازاة ذلك كانوا سيذهبون بعيدا في المفاوضات من اجل ارضاء ترامب. حقيقة انهم لم يفعلوا ذلك عكست العمى الذي اصابهم. نفس العمى ايضا منعهم من فهم الاهمية العملية لتقارير وسائل الاعلام عن اعداد اسرائيل للهجوم، وعملية اخلاء الامريكيين. هذه الخطوات تذكر بعملية الاخلاء الطارئة لعائلات السوفييت من سوريا ومصر عشية حرب يوم الغفران، التي شكلت الدليل الواضح على اقتراب الحرب.
ربما ان عملية الخداع التي بواسطتها جرت محاولة لخلق صورة غير حقيقية وكأنه يوجد فيتو امريكي على هجوم اسرائيل، لعبت دور في خلق هذا العمى. ولكن ما يفسره اكثر من أي شيء آخر هو تمسك ايران بالاعتقاد أنها تواصل ردع اسرائيل. هذا الاعتقاد، كما يبدو، كانت له عدة عوامل.
العامل الرئيسي فيها هو الايمان بنجاعة قدرة الردع الايرانية، رغم انها تآكلت بشكل كبير بسبب سلسلة الاحداث التي بدات في حزيران 2024. ربما ان الايرانيين آمنوا بان الرد بضربة تتكون من الف صاروخ سيردع اسرائيل عن شن الحرب اذا عرفت ذلك، أو مواصلتها. واضيف الى ذلك سوء تقدير للقدرة العملياتية الاسرائيلية رغم الضربات التي اوقعها سلاح الجو في منظومة الدفاعات الجوية ومنشآت انتاج الصواريخ في تشرين الاول 2024، وتدمير اساس قوة حزب الله خلال بضعة ايام. دور مشابه لعبه الاعتقاد بان مناعة المنظومة النووية في ايران تضمن ان اسرائيل لن تستطيع تدميرها بالكامل. من المرجح ان الايرانيين ايضا عولوا على ان اسرائيل تدرك التهديد الذي بحسبه الهجوم يمكن أن يسرع، وليس تأخير، الطريق الى انتاج القنبلة. في نهاية المطاف، طوال الطريق ايران افترضت ان اسرائيل لن تهاجم بدون “الضوء الاخير” الامريكي. وفي الفترة الاخيرة قدروا كما يبدو أن امريكا لن تعطي هذا “الضوء الاخضر” طالما ان المفاوضات مستمرة.
العمى الذي منع كبار القادة في ايران من فهم انهم يتعرضون لتهديد خطير يمكن ان تكون له مصادر اخرى. الثقافة الاستراتيجية الايرانية التي يحركها حلم الخلاص، وذكرى تاريخية تمتد لمئات السنين، والتفكير للمدى البعيد، كل ذلك ادخل بعد غير عقلاني لعملية اتخاذ القرارات وقلص وزن التهديد الفوري والحاجة الى العمل بسرعة لمواجهته.
ان متلازمة التفكير الجماعي، العامل المعروف جيدا للتمسك بالتصور الخاطيء، لعبت هي ايضا دورها. القيادة العليا العسكرية التي تمت تصفية معظمها، تشكلت من الضباط الذين شبكة العلاقات بينهم بنيت منذ الحرب بين ايران والعراق وادت الى خلق مجموعة ضغط، التي تاثيرها كان يتجاوز حدود الجيش. الديناميكية التي توجد في هذه المجموعة، خاصة اثناء ضائقة، تحتاج الى تماسك اكبر حول العلم وتقليل التشكيك في النظريات القائمة. يضاف الى ذلك آليات اخرى مثل متلازمة “الذئب، الذئب”، التي اساس ضررها يكمن في تآكل عتبة الانذار في مواجهة التهديد المتكرر. لقد كان هجوم اسرائيل على المنشآت النووية مطروح على جدول الاعمال منذ سنوات، وحقيقة أنه لم ينفذ حتى 13 حزيران ساهمت في تاثيره. في كل فشل تاريخي كهذا يكون لاخطاء التقدير للمسؤولين في النظام وزن ثقيل واحيانا يكون حاسما.
حتى الآن لا توجد معلومات كافية عن ذلك، لكن من المؤكد أنها ستظهر في المستقبل. ومهما كانت اسباب فشل ايران فان منظومة الدفاع الاسرائيلية يجب ان تفحص جيدا ليس فقط لماذا نجحت في المعركة ضد ايران، بل ايضا لماذا فشلت ايران. عملية تعلم كهذه لن تشكل البديل عن لجنة التحقيق الرسمية التي يجب ان تحقق في احداث 7 اكتوبر، وتحقيقات مهنية اخرى في الحرب في غزة. ولكن التعلم من اخطاء الاخرين يمكن ان يساهم في تقليص الخطر الذي ينطوي على تقديرات خاطئة، التي يمكن ان نقوم بها في المستقبل. هذه التقديرات يوجد لها ثمن باهظ، لذلك فانه من المهم فعل ذلك.
مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook
مصدر الخبر
| نُشر أول مرة على: natourcenters.com
| بتاريخ: 2025-06-25 13:02:00
| الكاتب: Karim Younis
إدارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب أو الخبر المنشور، بل تقع المسؤولية على عاتق الناشر الأصلي