عاجل

حسب ترامب لم تعد حاجة الى اتفاق، غير أن التهديد الإيراني ليس نوويا فقط

هآرتس 26/6/2025، تسفي برئيل: حسب ترامب لم تعد حاجة الى اتفاق، غير أن التهديد الإيراني ليس نوويا فقط

كعادته أيضا امس، بعد اجتماع رؤساء دول الناتو في هولندا، عقد الرئيس دونالد ترامب احد المؤتمرات الصحفية المطولة والمتطاولة والانتقادية، واحيانا المسلية، التي في نهايتها يصعب فهم توجهه. عندما سئل عن الاتفاق النووي الذي سعى اليه منذ بداية ولايته، الذي هو حجر الأساس في سياسته الخارجية، أجاب “نحن ذاهبون للحديث مع الإيرانيين في الأسبوع القادم. هل نحن نسعى الى التوقيع على اتفاق، أنا لا أعرف. هم حاربوا والآن يعودون الى عالمهم. لا يهمني اذا كان اتفاق ام لا”.

يبدو ان تفسير ترامب يستند الى منطق حديدي. اذا كان هدف الاتفاق النووي الجديد هو منع ايران من التوصل الى السلاح النووي، واذا كان الهجوم الأمريكي – الإسرائيلي، لا سيما الهجوم الكثيف في فوردو مع القنابل التي تخترق التحصينات، قد أدى الى القضاء الكامل على القدرة النووية الإيرانية، فانه لا حاجة الى اتفاق. ولكن على خلفية الاختلاف الاستخباري في الولايات المتحدة حول مسألة “القضاء الكلي” على القدرة النووية لإيران، فان مسالة قدرة ترميم القدرات النووية لإيران ستواصل كونها ذات صلة.

يبدو ان ترامب نفسه، رغم الغاء الحاجة الى الاتفاق، يعترف باهميته. “اذا كانت لدينا وثيقة فهذا لن يكون سيء”، قال. “نحن ذاهبون للالتقاء معهم”. اذا لم تكن حاجة الى الاتفاق فلماذا نضيع الوقت الثمين لستيف ويتكون في اللقاء مع الإيرانيين. الإجابة على ذلك تكمن في أنه يوجد للولايات المتحدة وايران مواضيع أخرى كثيرة لمناقشتها من اجل استكمال مجموعة الضمانات كي لا تشكل ايران أي تهديد إقليمي أو عالمي.

ترامب تناول في أقواله تهديدا واحدا فقط (“نحن لم نرغب في النووي الإيراني، والآن هذا النووي مدمر”)، لكن ما لم يتم تدميره هو القدرة على انتاج الصواريخ البالستية، والتهديد بشل الملاحة في الخليج الفارسي، والامكانية الكامنة في المس بدول المنطقة ودعم المنظمات الإرهابية. عمليا، هذه هي المواضيع التي طالبت إسرائيل بإيجاد حل لها في الاتفاق النووي الأصلي الذي تم التوقيع عليه في 2015. أيضا بعد ذلك، اثناء استئناف المفاوضات بين الرئيس بايدن وايران، ومؤخرا عندما بدأ ترامب في حملة صياغة اتفاق نووي جديد.

في الأشهر الأخيرة لم يستجب ترامب لمطالب إسرائيل وركز المفاوضات مع ايران حول القضية النووية. وقد كان ذلك في الحقيقة الشرط الرئيسي الذي وضعته ايران لاستئناف المفاوضات، الذي بحسبه ستكون مستعدة لمناقشة فقط قضية تخصيب اليورانيوم وحصر المشروع النووي بالأغراض المدنية، لكن الولايات المتحدة وافقت على هذا الشرط. إمكانية ان نتيجة الحرب ستمكن من توسيع الاتفاق ليشمل قضايا أخرى تتعلق الان بالقرار السياسي الذي سيتم اتخاذه في ايران.

حول التوجه المحتمل الذي تسعى ايران اليه يمكن ان نعرف من القرار الذي اتخذه البرلمان الإيراني، الذي بحسبه الحكومة لن تواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، التي تشرف على المشروع النووي والمنشآت النووية الإيرانية. القرار غير نهائي وحتى الآن هو بحاجة الى المصادقة الرسمية من “لجنة فحص مصالح الأمة”، ومصادقة المرشد الأعلى علي خامنئي. التعاون بين ايران والوكالة الدولية للطاقة النووية ضروري من اجل تقدير الاضرار التي لحقت بالمنشآت النووية، وفحص بشكل موضوعي القدرة على إعادة ترميم المشروع النووي. وبالاساس التأكد من انه لا يوجد أي تجاوز أو خرق للاتفاق النووي الأصلي الذي ما زال يشكل الأساس الواقعي للمراقبين الدوليين في ايران.

ترامب يمكنه الإعلان عن بطلان قرار البرلمان الإيراني، لانه اذا دمر المشروع النووي الإيراني فلن يكون هناك ما يستدعي الرقابة عليه. ولكن من الوهم الاعتقاد بان الطموح الى تطوير برنامج نووي، وفي نفس الوقت تعزيز القدرات التقليدية لإيران، سيتم دفنه في ادراج معاهد الأبحاث ومكاتب التخطيط في مجلس الامن القومي.

امس نشر كاتب الاعمدة الإيراني امير ثامني مقال في صحيفة “شرق” (التي تعتبر مؤيدة للإصلاح)، كتب فيه ضمن أمور أخرى، بأن “ايران تعتبر دولة عظمى في مجال الصواريخ، ولكن كان وسيكون للعقوبات وعدم القدرة على استيراد التكنولوجيا الجديدة تاثير على السرعة والجودة لتطوير التكنولوجيا المطلوبة. يجب الامل بانه مع انتهاء الحرب التي فرضت علينا وانتهاء الشروط القاسية التي فرضتها على الدولة، ستوضع الأسس لبناء هذه القوة، وبناء منظومات دفاعية – هجومية ناجعة أكثر، التي ستستند الى التكنولوجيا العالمية الأكثر حداثة والى جهود نخب الشباب. ان الحماسة الإيرانية في ظل قيادة من رجال النظام الذين يهتمون يمكن ان تؤدي الى عدم تفكير أي احد بفكرة غزو بلادنا”.

اذا كان ثامني يعكس امنيات من يعتبرون اصلاحيين، فان خطاب المحافظين الراديكالي يضع طموحات بعيدة المدى بشكل اكبر، التي تشجع النظام على استئناف القدرة النووية وزيادة ترسانة السلاح التقليدي، وبالاساس عدم الخضوع للضغط الذي سيستخدم من الآن على ايران. ولكن كما ثبت في السابق فانه توجد فجوة بين الخطاب العلني والإعلامي وبين متخذي القرارات. المعضلة الرئيسية امام القيادة ستكون من الآن فصاعدا هي كيفية جعل الولايات المتحدة تقوم برفع العقوبات، وهو نفس الهدف الاسمى الذي كان من شان المفاوضات حول الاتفاق النووي ان تحققه. المشروع النووي الإيراني، الى جانب عامل الردع والدفاع العسكري، كان المقابل الذي كانت ايران مستعدة لمناقشته من اجل ان تستطيع إعادة تاهيل الاقتصاد وتحييد التهديد على استقرار النظام كنتيجة للازمة الاقتصادية.

الحرب ازاحت، على الأقل حتى الان، عامل الردع الإيراني – من هنا جاءت الرافعة الأساسية، “النووي مقابل العقوبات”، التي احتفظت بها ايران في ايديها من اجل تحقيق هدفها. يبدو ان الوضع الذي نرى فيه ان ايران بحاجة اليه الآن الى اتفاق مع الولايات المتحدة اكثر مما هي الولايات المتحدة بحاجة اليه (كما يشهد ترامب)، يوفر للرئيس الأمريكي فرصة طرح النقاش في مواضيع حاسمة التي منذ البداية لم يكن ينوي التعامل معها. ولكن ايران تحاول الان الاظهار بانها بعيدة عن الهزيمة وانها لا تنوي الخضوع للضغوط التي تستهدف “المس بقدرتها على الدفاع عن نفسها أو من اجل تدمير النظام، سواء من قبل ناخبي مسعود بزشكيان كرئيس أو من قبل معارضيه” (حسب صحيفة “اطلاعات” المقربة من النظام، التي نشرت امس عدة مقالات تثني على تضامن الجمهور ودعم النظام). بزشكيان بالمناسبة ايد الحوار مع الولايات المتحدة منذ بداية ولايته. وقد دعا رجال اعمال أمريكيين للاستثمار في ايران، وحتى أنه حصل على الدعم من خامنئي.

في الوقت الذي فيه النظام في ايران متردد حول كيفية إدارة اللقاء القريب مع الأمريكيين، فان ايران حظيت بهدية مجانية من ترامب، الذي اعلن بان الصين يمكنها شراء النفط من ايران بدون قيود. هكذا فقد أزال بضربة واحدة احد أسس سياسة “الحد الأقصى من الضغط الذي استخدمه على ايران”. ربما يجب عدم الاستغراب، لانه حسب منطق ترامب اذا لم يكن لدى ايران نووي، فلا توجد حاجة الى العقوبات.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook



مصدر الخبر

| نُشر أول مرة على: natourcenters.com
| بتاريخ: 2025-06-26 13:10:00
| الكاتب: Karim Younis


إدارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب أو الخبر المنشور، بل تقع المسؤولية على عاتق الناشر الأصلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى