مقالات

نحن أصحاب الأرض ولن نسمح للمتسلقين بكتابة تاريخنا

 

بقلم الإعلامي خضر رسلان

هناك من يظن أن السيادة ورقة تفاوض، وأن الحق يمكن تعليقه على أبواب السفارات، وأن شعباً بكامله يمكن إقناعه بالتنازل عن أرضه وكرامته بخطاب “عقلاني” مصمّم لخدمة الأقوياء. وهناك من يعتقد أن القوة الغاشمة تتحول إلى شرعية بمجرد الحصول على غطاء دولي يتغاضى عن الحق ويتقن لعبة المصالح. لكن الحقيقة واضحة: نحن أصحاب الأرض، ومن يظن أن الضغط قادر على محو الحق لا يعرف شعوب هذه المنطقة ولا تاريخها.

منذ صدور القرار 181، قُدّم نصف العالم على طبق من ذهب للمحتل، فيما أُلقي النصف الآخر على شعبٍ مُهجّر جُرّد من أرضه. القرار 194، الذي يضمن حق العودة، حُوّل إلى نص مهجور، بينما طُلب من لبنان ودول الجوار تحمّل نتائج اقتلاع شعب كامل والعمل على توطينه، في مخالفة صريحة لجوهر القانون الدولي الذي يؤكد أن العودة حقّ لا يُلغى ولا يُقايض. يُراد للبنان أن يتحمّل تبعات النكبة، فيما تُدفن الجرائم الأصلية تحت ركام المصالح الدولية.

في لبنان، تُقدّم للعالم نسخة فريدة من ازدواجية المعايير. لدينا أرض لبنانية تحت الاحتلال موثقة بقرارات دولية، أبرزها القرار 425 الذي يفرض انسحاباً كاملاً وفورياً. ومع ذلك، يُنشَغَل البعض بتشكيل لجان “تنظيم الخروقات”، وكأن الهدف ليس إنهاء الاحتلال بل ترسيخه. وبينما الطائرات المسيّرة تخترق الأجواء اللبنانية يومياً، ينصرف البعض إلى حملة ممنهجة لتفكيك قدرة الشعب على حماية أرضه وحقوقه، وكأن السلطة وحق الدفاع أصبحا محظورين.

وفي ملف النازحين السوريين، القانون الدولي واضح: النزوح حالة مؤقتة مرتبطة بخطر مباشر. ومع تغيّر الظروف في سوريا، لم يعد هذا الوصف ينطبق على ملايين السوريين، ومع ذلك تُصرّ بعض الدول على إبقاء لبنان رهينة هذا الملف، فتمنع العودة بحجة “الاعتبارات الإنسانية”، بينما يغيب الصوت نفسه أمام الجرائم التي تُرتكب في فلسطين. ازدواجية صارخة: رحمة فائضة عند حدود لبنان، وصمت مطبق عند بوابة غزة.

في ظل هذا العبث، يُعاد النقاش حول حق الدفاع، رغم أن ميثاق الأمم المتحدة حسم الأمر بوضوح. المادة 51 تؤكد أن لكل دولة حقاً طبيعياً في الدفاع عن نفسها، وعشرات قرارات الأمم المتحدة تعترف بحق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في استخدام الوسائل المشروعة لحماية أرضها ووجودها. هذه ليست آراء سياسية، بل نصوص ملزمة.

يريد البعض شعباً منزوع الإرادة، مكتوف اليدين، ينتظر حلولاً تُصاغ في عواصم تملك مصلحة في إبقاء لبنان ضعيفاً. لكن الشعب اللبناني ليس من هذا النوع. هذا شعب تربّى على أن الأرض لا تُسلَّم، وأن الكرامة لا تُعلَّق على أبواب الخارج، وأن الدفاع عن النفس ليس خياراً ثانوياً بل جزء من هوية وطنية راسخة في الوعي الجمعي.

لبنان لن يكون الحلقة الأضعف، ولن يكون مادة تفاوض، ولن تُجزّأ سيادته على مقاسات الخارج. نحن أصحاب الأرض والحق والشرعية، ومن يعتقد أن الضغط قادر على كسر شعبٍ حمل شعلة المقاومة جيلاً بعد جيل، فهو لا يعرف لبنان، ولا يعرف خطورة شعب إذا شعر بأن كرامته تُمسّ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى