المستثمرون يواجهون في 2026 اختبار تحول السياسة النقدية الأميركية

يشكل عام 2026 منعطفاً حاسما في مسار السياسة النقدية الأميركية، إذ يواجه المستثمرون اختباراً حقيقياً لقدرتهم على التكيف مع توجهات جديدة قد تعيد تشكيل أسواق المال العالمية، التي شهدت السنوات الأخيرة تحولات متسارعة، وسط بروز عدة سيناريوهات محتملة لتحقيق مكاسب والحفاظ على الإيرادات.
يجد المستثمرون أنفسهم الآن أمام توقعات غير مؤكدة للسياسة النقدية الأميركية للعام المقبل بعد ثلاثة تخفيضات متتالية في الفائدة، في ظلّ استمرار التضخم، ونقص البيانات الاقتصادية، وتغيير وشيك في قيادة مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي).
وخفض المجلس الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية الأربعاء، في تصويت غير مسبوق. لكنه رجح تعليق المزيد من تخفيضات تكاليف الاقتراض ريثما يحصل المسؤولون على مؤشرات أوضح بشأن اتجاه سوق العمل والتضخم الذي “لا يزال مرتفعاً إلى حد ما”.
ويتناقض توقع الاحتياطي الفيدرالي لمسار تيسير أبطأ مع توقعات السوق بتخفيضين بنسبة 0.25 في المئة خلال 2026، ما سيؤدي إلى خفض الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى نحو 3 في المئة.
ويتوقع صناع السياسات خفضًا واحدًا فقط للفائدة العام المقبل وآخر في عام 2027. وقد أدى خفض الفائدة إلى نطاق يتراوح بين 3.5 و3.75 في المئة.
ومع ذلك لم تكن الخطوة مثلما يريدها الرئيس دونالد ترامب، حيث قال إن “خفض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة كان طفيفاً، وكان من الممكن أن يكون أكبر”.
وأظهرت التوقعات المُحدَّثة للبنك المركزي أن ستة من صناع السياسات يفضلون عدم خفض الفائدة هذا العام، بينما يتوقع سبعة آخرون عدم إجراء أي تخفيضات أخرى في عام 2026.
وسيكون مسار السياسة النقدية من الآن فصاعدًا مرهونًا بالبيانات الاقتصادية التي لا تزال متأخرة عن تأثير إغلاق الحكومة الفيدرالية لمدة 43 يومًا في أكتوبر ونوفمبر.
ويأتي هذا في وقت تستعد فيه الولايات المتحدة لانتخابات التجديد النصفي، والتي من المرجح أن تركز على الأداء الاقتصادي، مع حث ترامب على خفض الفائدة بشكل أكبر.
وقال آرت هوجان، كبير إستراتيجيي السوق في شركة بي رايلي ويلث، لرويترز “أعتقد أن التكهن بما سيفعله الاحتياطي الفيدرالي لاحقًا سيصبح أكثر صعوبة بكثير العام المقبل”.
وبينما يواجه البنك المركزي مهمة دقيقة لتحقيق التوازن، يواجه المستثمرون بدورهم حالة من عدم اليقين بشأن السياسة النقدية للعام المقبل، حيث لا تزال اتجاهات التضخم وقوة سوق العمل غير واضحة.
ويرى محللون أن التفويض المزدوج للاحتياطي الفيدرالي – التوظيف واستقرار الأسعار – يُؤجّج نقاشا داخليا حادا في أروقته.
ويقول برنت شوت، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة نورث وسترن ميوتشوال لإدارة الثروات “بالنسبة لي، يُظهر هذا مدى دقة التوازن الذي يعمل عليه الاحتياطي الفيدرالي، والتوازن الدقيق الذي يعمل عليه الاقتصاد، أو كما أُفضّل تسميته بالتوازن الدقيق”.
وأضاف “أشعر، على الأقل بالنظر إلى عام 2026، أن هناك العديد من الأسئلة لا تزال بلا إجابة في ما يتعلق باتجاه الاقتصاد واتجاه أسعار الفائدة في المستقبل”.
ومن الصعب التنبؤ إلى أين نتجه خلال الأشهر الستة إلى التسعة المقبلة، نظرًا لجميع التغييرات الحاصلة في هذه الفترة الاستثنائية التي تشهد توترات على جانبي التفويض.
ومن المتوقع أن يعود تدفق البيانات الاقتصادية إلى طبيعته تدريجيًا بعد الإغلاق الحكومي الأخير، لكنّ حالة عدم اليقين لا تزال قائمة.
وكتب بيل آدامز، كبير الاقتصاديين في بنك كوميريكا، في مذكرة “ربما تُقدّم لنا توجيهات الاحتياطي الفيدرالي معلومات أقل من المعتاد حول توقعات أسعار الفائدة، وذلك لسببين رئيسيين”.
وقال “أولاً، معلوماتهم عن الوضع الاقتصادي الراهن أقل من المعتاد لأن الإغلاق الحكومي أدى إلى تأخير نشر الإحصاءات الاقتصادية. ثانياً، لا تأخذ توجيهات الاحتياطي الفيدرالي في الحسبان كيفية تغير نهجه بعد انتهاء ولاية الرئيس باول في مايو”.
وصرح كيفن هاسيت، المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض، والمرشح الأوفر حظاً لرئاسة المركزي، لمجلس الرؤساء التنفيذيين التابع لصحيفة وول ستريت جورنال الثلاثاء، بأن هناك “مجالا واسعا” لخفض الفائدة أكثر، رغم أن ارتفاع التضخم قد يُغير هذا الرأي.
وبالنسبة لبعض المستثمرين، فإن التصرف الأمثل هو الثبات على النهج الحالي وتجنب ردود الفعل المتسرعة وتجاهل الضجيج الذي يرافق قرار الفيدرالي.
وقال أليكس موريس، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة أف.أم أنفيستمنتس، لرويترز “ستشهدون ضجيجا ماليا هائلا بين الآن ونهاية العام المقبل”.
وأضاف أنه “رغم أن المستثمرين قد يضطرون إلى التعامل مع احتمالية نمو أفضل من المتوقع أو ارتفاع التضخم في العام المقبل، إلا أن هذه السيناريوهات تبدو مستبعدة من أن تؤدي إلى تشديد السياسة النقدية”.
وأوضح موريس، الذي يدعو مستثمري السندات إلى تمديد آجال استحقاق سنداتهم، “لا داعي للقلق المفرط إلى درجة أن تتهربوا من المسؤولية”.
وقال رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إن “الخطوة التالية من غير المرجح أن تكون رفع الفائدة، نظرًا لأن هذا ليس السيناريو الأساسي الذي تعكسه التوقعات الجديدة لصناع السياسة النقدية في البنك المركزي”.
وفي غضون ذلك، لا يبدو أن مستثمري سوق الأسهم قلقون للغاية بشأن احتمال توقف خفض الفائدة. فبينما ساهمت الفائدة المنخفضة في رفع الأسهم إلى مستويات قياسية جديدة، فإن المزيد من التيسير النقدي، خاصة إذا كان مدفوعًا بتدهور اقتصادي، قد يكون غير مرغوب فيه.
وقال كريس غريسانتي، كبير إستراتيجيي السوق في شركة ماي لإدارة رأس المال، “آمل ألا تكون هناك تخفيضات في الفائدة في عام 2026 لأن ذلك سيعني ضعف الاقتصاد”. وأضاف “أفضّل أن يكون الاقتصاد قويًا وألا تكون هناك تخفيضات أخرى”.
The post المستثمرون يواجهون في 2026 اختبار تحول السياسة النقدية الأميركية appeared first on Lebanon Economy.


