مراسلو جبهة الجنوب يواجهون ندوباً نفسية أيضاً
لم تكن المراسلة الميدانية في الجنوب، كلودي أبي حنا، مهيأة نفسياً لتغطية حرب طويلة، تخللها عنف شديد، ومع ذلك، تستمر في التغطية، شأنها شأن زملاء آخرين مثل المراسل محمد فرحات الذي لم ينقطع عن تغطية التطورات في الجنوب، مستنداً الى ضرورة أن يكون المراسل “حاضراً وقوياً ومستعداً لمواجهة كل ما قد يصادفه”. وتتصدر هذا الاصرار على التغطية الميدانية، رغم المخاطر والتصعيد المتواصل، أولويات المراسلين، في حين تتصاعد الهواجس من الآثار النفسية لتغطية الحروب، وهو ما دفع مؤسسات دولية وجمعيات محلية للاتجاه نحو تقديم الدعم النفسي للصحافيين.
“مراسلون بلا حدود”
تستعد منظمة “مراسلون بلا حدود”، بالتعاون مع جمعية “إدراك”، لتنظيم ورشة تدريبية حول الصحة النفسية للإعلاميين في مركز “حرية الصحافة” في بيروت. تهدف هذه الورشة إلى تدريب المشاركين على التعامل مع المواقف عالية المخاطر وتحديات الصحة النفسية التي قد تواجههم في عملهم. وفي حديث مع “المدن”، يؤكد مدير مكتب الشرق الأوسط في المنظمة في باريس، جوناثان داغر، أن الورشة مفتوحة لجميع الصحافيين، مع إعطاء الأفضلية للعاملين بشكل مستقل (فريلانسر) أو في قنوات محلية، نظراً لعدم توافر الدعم الذي يحصل عليه الصحافيون في الوكالات والوسائل الإعلامية الفضائية.
ويضيف أن هدف الورشة هو تذكير الصحافيين بأهمية صحتهم النفسية، والتعرف على العوارض التي قد تصيبهم، وكيفية التعامل معها من خلال أدوات بسيطة تمكنهم من مساعدة أنفسهم والآخرين. ويصف الورشة بأنها تشبه تدريباً على الإسعافات الأولية من الناحية النفسية.
ولا ينفي داغر حاجة الصحافيين إلى حماية قانونية تحميهم من العنف وتجعلهم غير مستهدفين في مناطق النزاع، إلا أن تمكينهم من حماية أنفسهم نفسياً “يبقى ضرورياً”، ذلك أن “الصحة النفسية هي الأساس، ورغم أنها ليست كافية وحدها، إلا أنها جزء مهم من جوانب أخرى نعمل على تعزيزها”.
صلابة نفسية
حين خرج المراسل في قناة “الجديد” محمد فرحات (28 عاماً)، لتغطية الحرب، كان يدرك أهمية أن يكون مستعداً لكل شيء، “سواء كانت المشاهد صعبة أو سهلة، حتى تلك التي تتضمن القتل، والأشلاء، والدمار”، حسبما يقول لـ”المدن”، مشيراً الى ان “هذا لا يعني أن المراسل آلة بلا مشاعر، بل يجب أن يكون قادراً على التحكم في نفسه”.
لم يعتد فرحات على رؤية الأشلاء، لكنه حين يقف أمام الكاميرا، أو يجول بين القرى والاصابات، “الأهم أن يكون المراسل حاضراً وقوياً ومستعداً لمواجهة كل ما قد يصادفه”. ويشرح: “إنه قرار يتخذه المراسل بعدم التأثر أثناء البث المباشر، لكن بعد البث قد أبكي وأتأثر كثيراً”.
استشهاد فرح عمر
ولم يردع استشهاد صديقة فرحات، المراسلة فرح عمر، عن مواصلة مهامه. يقول: “كانت تلك اللحظة الأصعب عندما استشهدت فرح، فهي لم تكن مجرد زميلة، بل كانت صديقة عزيزة. ومع ذلك، استشهاد الزملاء دفعني للاستمرار بقوة أكبر. إذا كانت إسرائيل تسعى لإسكات الإعلام وكلمة الحق في الجنوب، فقد قررت أن أواصل نقل الرسالة وكشف الحقيقة وما يحدث بالفعل، وإظهار ضعف الإسرائيلي”.
يشعر فرحات اليوم أنه متأقلم مع الوضع، “ولدي صلابة نفسية، حتى بعد انتهاء الحرب أعتقد أنني سأشتاق وأفتقد لهذه التغطيات”.
واجب مهني
والتغطية الميدانية، بكل قسوتها، لا تمنع مراسلة قناة “الغد” كلودي أبي حنا (وهي أيضاً أمّ)، من التغطية، بالنظر الى ان تغطية الأحداث الكبرى هي “واجب مهني”، حسبما تقول لـ”المدن”.
لم تتلقَ أبي حنا تدريبات رسمية حول كيفية تغطية الحروب، لكن تجربتها السابقة في تغطية حرب تموز زودتها بقدر من الخبرة. ومع ذلك، لم تكن مهيأة نفسياً لمواجهة طول مدة النزاع والعنف الشديد الذي نشهده حالياً في حرب غزة والجنوب. وقالت إن “التجربة بدأت مرة، وهي مستمرة حتى الآن”.
تحرص على عدم التهور في تغطيتها للأحداث. تقول: “رغم أنني أثق أن الأعمار بيد الله، إلا أنني لا أريد أن يتسبب أي حادث في تعرضي للخطر بسبب تهور مني. فأنا أعمل جاهدة للحفاظ على العقلانية والحكمة في تصرفاتي، خصوصاً أنني أمّ لطفل، وأرغب في أن أعود إلى عائلتي سالمة”. برأيها، “هذه الحرب استثنائية وغريبة، وكل الأماكن في الجنوب تعتبر خطرة”.
تواجه أبي حنا تحديات كبيرة بسبب بعدها عن عائلتها، مما يشعرها بالتقصير تجاههم. التغيير الجذري في الروتين وعدم وجود مجال للراحة يزيدان من صعوبة الوضع. تقول: “أجواء الحرب تهيمن عليّ وعلى حالتي النفسية وشخصيتي في الوقت الحالي. حتى عندما أستطيع أخذ بضع أيام عطلة لأقضيها مع عائلتي، أجد التأقلم صعباً، خصوصاً أني أعود من منطقة نزاع إلى مكان خالٍ نسبياً من الحرب”.
تحديات نفسية
يعاني الصحافيون/ات الذين يغطون الحروب، من تحديات نفسية كثيرة نتيجة للأحداث المؤلمة التي يمرون بها، حتى وإن كانوا أقوياء، مما يضيف إلى شعورهم بالذنب والتقصير تجاه عائلاتهم وأطفالهم.
وتوضح العضو المؤسس في جمعية “إدراك”، الدكتورة إيميه ناصر الكرم، أن “الإنسان بطبيعته غير مهيأ لعيش أحداث حادة مثل الزلازل والحروب، وهذه التجارب تترك تأثيرات نفسية شديدة”، أما بالنسبة للصحافيين الذين يواجهون بشكل مستمر أحداثاً صادمة، فـ”تكون المخاطر النفسية أكبر، مثل اضطراب القلق ما بعد الصدمة”.
تشير ناصر إلى أن معظم الصحافيين لديهم مبدئياً مناعة وصلابة نفسية تساعدهم في التعامل مع تلك الأحداث م دون أن يتأذوا كثيراً، إلا أنه من الطبيعي أن يتفاعلوا ويشعروا. وتؤكد أهمية أن يفرّق الصحافي بين الصلابة النفسية والبلادة النفسية، “فالأولى هي قدرة طبيعية على التحمل، بينما الثانية ظاهرة غير طبيعية تجعل الشخص غير متأثر بما يحدث حوله وممكن أن تسبب مشاكل”.
نغم ربيع – المدن
The post مراسلو جبهة الجنوب يواجهون ندوباً نفسية أيضاً appeared first on LebanonFiles.