الزجاج يساوي ذهباً… متضررو الحرب رهينة المحتكرين وتجار الأزمات
ما أن دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في لبنان وسلكت العائلات النازحة طريق العودة إلى منازلها، حتى ظهر حجم الدمار الذي خلفته الضربات الإسرائيلية العنيفة، ليس في مناطق الاستهداف وحسب، بل أيضاً في مناطق مختلفة من المدن والقرى وحتى العاصمة اللبنانية. فأعداد المباني التي تعرّضت واجهاتها الزجاجية للتحطيم تفوق تلك التي انهارت كلّياً بأضعاف وإن لم يتم تحديد عددها الدقيق حتى اللحظة.
حجم انهيار الواجهات الزجاجية للمحال التجارية والأبنية السكنية، يشكل حالياً واحداً من أهم المعضلات بالنسبة لشريحة كبيرة من السكان، التي تحاول العودة إلى منازلها واستئناف حياتها بشكل طبيعي. أسعار تركيب الالواح الزجاجية تحول إلى كابوس، بعدما قفزت أسعاره عدة أضعاف ما كانت عليه قبل شهرين تقريباً.
أزمة حقيقية
منذ أيام، يشهد سوق الزجاج اللبناني أزمة حقيقية، في ظل الارتفاع الهائل بأسعاره واحتكاره من قبل التجار، وهو ما دفع بعض الجهات السياسية ووزارتي الاقتصاد والداخلية الى التدخل للحد من تأثيرات ارتفاع الأسعار. إذ ارتفع سعر المتر من الزجاج العادي من 10 دولارات لأكثر من 40 دولاراً في بعض المناطق، ولم يعد بالإمكان تركيب واجهة زجاجية لمنزل أو محل تجاري بسعر يقل عن 800 دولار، ما يعني أن سعر المتر بات يوازي نصف غراماً من الذهب الخالص (سعر غرام الذهب يساوي نحو 84 دولاراً).
وقد طالب النائب أمين شري كل من وزارة الاقتصاد والتجارة ووزارة الداخلية والبلديات ومصلحة حماية المستهلك بالتدخل ووضع حد للأسعار، كما، طلبت وزارة الداخلية بضرورة تشديد الرقابة ومنع أي استغلال يطال الناس بسبب تلاعب التجار بهذه السلعة التي باتت أغلى من الذهب.
تعود أسباب ارتفاع الأسعار إلى زيادة الطلب من جهة، ومن جهة ثانية، إلى احتكار بعض التجار لهذه السلعة وهو ما لفت إليه مدير عام وزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر إلى أنّ هناك 3 تجّار يستوردون 90 في المئة من الزجاج في لبنان، قد سطرت بحقهم محاضر بعدما تبين تلاعبهم بالأسعار بشكل خيالي.
الكراتين بديلاً عن الزجاج
يحاول محسن العبد الله الذي يقطن في منطقة الشياح، القيام ببعض الإصلاحات في منزله، حيث انهارت ألواح الزجاج في منزله. يقول لـ “المدن”: وضعت بعض الأغطية والكراتين بدلاً من ألواح الزجاج، حتى تتمكن العائلة من العودة للمنزل. بحسب العبد الله، لم يتمكن منذ إعلان وقف إطلاق النار، من التواصل مع أي ورشة لتركيب الزجاج والألمينيوم في منزله، الجميع مشغول، ولا يوجد مواعيد حتى منتصف الشهر.
يمثل العبد الله نموذجاً لما يعانيه عدد كبير من اللبنانيين، الذين لم يتمكنوا من إعادة إصلاح منازلهم للعودة إليها بشكل نهائي. يشهد سوق تركيب الزجاج طلباً كبيراً، يجعل من الصعب على أصحاب الورش أو “القزازين” تلبية هذا الطلب بحسب ما يؤكد سليم الجمال، أحد أصحاب الورش في منطقة بيروت. يقول لـ”المدن”: ارتفع الطلب بعد وقف إطلاق النار، ولا يوجد كميات من الزجاج تكفي لسد الحاجة. بحسب الجمال، لم يتمكن من الحصول على بضائع جديدة، إذ يحاول تجار الجملة، عقد صفقات مع شركات مقاولات، بدلاً من التعاقد مع أصحاب الورش، لتحقيق هامش أكبر من الربح.
بحسب الجمال، النقص الحاصل في سوق الزجاج، أدى إلى رفع السعر بشكل كبير، ليس فقط على المواطنين، بل أيضاً على أصحاب الورش، إذ تم رفع سعر متر الزجاج العادي جداً إلى أكثر من 20 دولاراً، ما يعني أنه على أصحاب الورش بيعه بنحو 40 إلى 45 دولاراً بعد القيام بعلميات التقطيع والتركيب، كما لفت إلى أن بعض الورش سددت ما يقارب من 25 دولاراً للمتر الواحد، فيما تقوم ببيعه بنحو 50 دولاراً، ويرتفع في بعض المناطق إلى أكثر من 60 دولاراً.
يضيف الجمال “تتباين الأسعار بحسب نوعية الزجاج، وسماكته، فالزجاج المشرط على سبيل المثال تخطى سعره 25 دولاراً، فيما البلور العادي يمكن الحصول عليه بسعر يتراوح ما بين 15 و18 دولاراً ارتفع إلى نحو 30 دولاراً في مناطق الجنوب والبقاع”.
في الأوقات الطبيعية وبعيداً عن استغلال الأزمة الحالية، لم يكن سعر اللوح الزجاجي يتخطى حاجز 7 دولارات، ما يعني أن السعر ارتفع أضعاف ما كان عليه قبل شهرين تقريباً.
خسائر بالجملة
الأزمة لا تتعلق فقط بأصحاب المنازل، فالمحال التجارية أيضاً متضررة بشكل كبير بسبب انهيار الواجهات الزجاجية، وحتى اليوم، لم تعد الحركة التجارية إلى ما كانت عليه في مناطق مختلفة من الضاحية الجنوبية، أو قرى الجنوب والبقاع. يشتكي حسين مرتضى الذي فقد جزء من محله التجاري في منطقة صفير من عدم إمكانية إصلاح المحل، والانتظار حتى يتمكن على الأقل من إعادة تركيب واجهات زجاجية.
يقول مرتضى لـ”المدن”: الخسائر كبيرة جداً، حتى الآن لم أتمكن من إعادة افتتاح المحل، أو عرض البضائع، وهو ما يتسبب بخسائر إضافية، وزيادة الديون”. يحتاج مرتضى إلى تركيب واجهات الألمينيوم، لكنه لم يتمكن أيضاً من عقد اتفاق مع أي حداد بسبب الأسعار. يحتاج مرتضى إلى نحو 12 متراً من الألمينيوم بسعر يصل إلى 1200 دولار تقريباً، من دون احتساب أجرة العامل، ما يعني أن واجهة محله التجاري تتطلب منه في أقل تقدير نحو 2000 دولار لتركيب الزجاج والألمينيوم.
وإلى جانب الزجاج ارتفعت أسعار الألمينيوم في لبنان بعد إعلان وقف إطلاق النار، وبات سعر المتر يتراوح ما بين 120 و140 دولاراً، وقد يرتفع أكثر بحسب النوعية.
غياب المساعدات
على الرغم من أن تواتر الحديث عن وجود مؤسسات، تقوم بعمليات المسح، ومساندة اللبنانيين لإعادة ترميم وإصلاح أبنيتهم السكنية والتجارية، إلا أن الكثير من العائلات فضلت الاعتماد على نفسها، بدلاً من الانتظار. في منطقة رومين الجنوبية، تكبدت دارين غملوش ما يقارب 8000 دولار تقريباً، لإعادة تركيب ألواج زجاجية خاصة بالطاقة الشمسية التي تضررت بسبب الحرب. تقول غملوش لـ”المدن”:” وصل سعر اللوح إلى نحو 300 و350 دولاراً مرتفعاً ثلاثة أضعاف ما كان عليه”. اضطرت غملوش إلى تركيب نحو 15 لوحاً بتكلفة تصل إلى 4500 دولار تقريباً، ناهيك عن تسديد ما يقارب من 3000 دولار لتركيب واجهات زجاجية مع أعمال الألمينيوم لمنزلها.
في الحرب كما كافة الأزمات يستغل التجار حاجة اللبنانيين لأي منتج او خدمة، فلا يوفرون فرصة لتحقيق أرباح إضافية إلا ويستغلونها، بانتظار نجاح جهود السلطات الرسمية في ضبط سوق الزجاج في المرحلة الراهنة.
The post الزجاج يساوي ذهباً… متضررو الحرب رهينة المحتكرين وتجار الأزمات appeared first on Lebanon Economy.
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :lebanoneconomy.net بتاريخ:2024-12-07 06:08:00
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
The post الزجاج يساوي ذهباً… متضررو الحرب رهينة المحتكرين وتجار الأزمات appeared first on بتوقيت بيروت اخبار لبنان والعالم.