عاجل

عن التحريض والافتراء على طرابلس: الأنبل مع الحليف والخصم

يتردّد في أكثر من مجلس، وعلى أكثر من منبر، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، كلام أغلبه كذب وافتراء عن فتنة تُعدّ ضد المواطنين العلويين في طرابلس الذين يشكلون جزءاً لا يتجزأ من نسيجها الأهلي.
تُنقل خطب مركبة يُقال إنّ مشايخ أُلقوها يوم الجمعة الماضي، إلاّ أنّهم لم يقولوا منها حرفاً واحداً في الحقيقة، ويتم التداول بها على نطاق واسع بهدف إشعال فتنة عرفها أهل طرابلس وخبروها خلال سنوات الحرب وما تلاها من جولات قتال لم تتوقف إلا مع تأليف الرئيس تمام سلام حكومته عام 2014 وخروج رفعت عيد من المدينة.

حاضنة المعارضين
طرابلس كانت منذ قيام نظام الرئيس السوري حافظ الأسد تحتضن معارضيه من إخوان وإسلاميين وشيوعيين وبعثيين عراقيين، وقد حصلت أوّل مواجهة خلال حرب السنتيْن بين الصاعقة وأهل المدينة التي كانت تميل إلى الحركة الوطنية بقيادة كمال جنبلاط والأحزاب اليسارية عام 1976 حيث قُصفت المدينة بالصواريخ للمرة الأولى في تاريخها.

وفي العام 1983، احتضنت طرابلس أبو عمار الذي كان على تباين دموي مع الأسد، فعانى أهلها بين العاميْن 1983 و1985 حروباً شنّها الأسد عليهم وعلى منشآت المدينة الاقتصادية وأحيائها المكتظة.

وفي طرابلس حصلت مجزرة باب التبانة في الثاني والعشرين من شهر آب في العام 1986 على يد ميليشيات تابعة للمخابرات السورية، مستهدفة السكان الآمنين في بيوتهم بينهم رجال ومسنون ونساء وأطفال، فأدّت إلى استشهاد أكثر من 40 شخصاً وإصابة عشرات آخرين.

وفي طرابلس دارت جولات قتال بين جبل محسن والتبانة خلال الحرب الأهلية، وتجددت مع أحداث السابع من أيار في العام 2008. وعلى الرغم من أنّ هذه الأحداث انتهت مع اتفاق الدوحة إلاّ أنّ أطرافاً ظلّت تستخدم طرابلس لإبقاء شعلة النزاع قائمة قي منطقة بعيدة عن العاصمة وعن الاحتكاك السني الشيعي، فحزب الله والمخابرات السورية كانت فاعلة في الجبل، في حين كانت الأطراف المناوئة والدول الداعمة لها فاعلة في التبانة.

وفي العام 2011، اندلعت جولات عنف خلال ترؤس ابن المدينة، نجيب ميقاتي، الحكومة واستمرت حتى شهر نيسان 2014 مع تشكيل الرئيس تمام سلام حكومته، وكانت طرابلس حينها صندوق بريد إقليمي دفع أهلها أثماناً باهظة نتيجة لذلك. وفي آب 2013 وقعت الجريمة الكبرى بتفجير مسجديْ السلام والتقوى خلال أداء المصلين صلاة الجمعة واتُهم فيها اللواء علي مملوك والحزب العربي الديمقراطي، وذهب المئات ضحية الانفجاريْن.

احتضنت النازحين
وعلى الرغم من كلّ ما سبق ومن التعبئة الكبيرة ضد حزب الله، استقبلت المدينة خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان آلاف النازحين من الجنوب والبقاع بقلوب بيضاء وتضامن وطني عز نظيره. لقد اندفع أهل طرابلس بما ملك بعضهم من مال ودواء وطعام نحو كلّ نازح، وهم يعرفون أنّ بعضهم أهل لمقاتلي حزب الله وكادراته. وقفت المدينة بكل كبر مع مواطنين لبنانيين هجّرهم العدو الاسرائيلي وتمنّوا أن تدحر المقاومة إسرائيل. فطرابلس لم ولا تتخلى عن مبادئها وقناعاتها ضد عدو احتل أرض فلسطين، وأراضي لبنانية، وأخرى عربية عزيزة. ويشهد النازحون بشيبهم وشبابهم ونسائهم وأطفالهم على احتضان المدينة لهم دون منة وبحسنة لا يتبعها أذى. لم تشهد المدينة ضربة كف واحدة بين أهلها والنازحين إليها.

اليوم، وبعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، اغتبط الأغلب الأعم من أهل طرابلس وفرحوا وليس في ذلك ما يعيبهم. لكن الطابور الخامس سعى وسيسعى لعودة الفتنة بين أهل جبل محسن والتبانة. وفي الوقت الذي يعمل فيه قادة الرأي والمشايخ وخطباء الجمعة على وأد الفتنة، يجتهد البعض من خارج المدينة إلى إشعالها بدل ضائع خارج دارهم ومناطقهم في محاولة لشيطنة المدينة وأهلها.

وأمام هذا الواقع، تتجه الأنظار إلى الدولة ومؤسساتها لحماية طرابلس وأبنائها، لا سيّما العلويين، فينبغي لرئيس الحكومة، ووزير الداخلية، ثم قيادة الجيش ومخابراتها أن يتحمّلوا مسؤولياتهم عبر القيام بما يلزم ووضع خطة عمل احترازية درءاً لكلّ فتنة تُعدّ للفيحاء. وكما عمل أهل الحكمة في المدينة على عدم السماح بالتحريض، قد يصحّ أن يتداعى كبار وحكماء الطائفة العلوية في طرابلس لنبذ الفتنة والدعوة إلى الوحدة الوطنية.

مسؤولية الحكومة
أهل جبل محسن، كأهل طرابلس لبنانيون ولبنان محكوم بالتعامل مع سوريا بغض النظر عن الحاكم فيها. جغرافيا المنطقة تفرض ذلك وكذلك التاريخ والروابط الاجتماعية والعائلية.

ولأن الحكومة المسؤولة لا تكتفي برد الفعل على الأحداث، بل عليها تحليل الاتجاهات، واستباق المخاطر ووضع سياسات تحمي المواطنين، مطلوب من الحكومة ورئيسها والأجهزة الأمنية القيام بما يلزم لمنع وقوع أحداث لا تُحمد عقباها أو تجنّب الانزلاق اليها. وقد يكون رئيس الحكومة، المسؤول الأوّل عن استشراف أزمة تلوح بالأفق، فهو ابن المدينة الذي سبق وأن شهدت إحدى حكوماته على أحداث جبل محسن والتبانة. ومن هنا، تبدو الحاجة ملحّة إلى عقد لقاء أمني موسّع تصدر عنه قرارات حازمة تضرب بيد من حديد كلّ من تسوّل له نفسه اللعب بأمن المدينة وأهلها الآمنين من الطوائف كافة. فبخلاف ذلك، سنسمع، كما كنا نسمع سابقاً، أنّ السلطة تتآمر على المدينة وأهلها.

خلدون الشريف – المدن

The post عن التحريض والافتراء على طرابلس: الأنبل مع الحليف والخصم appeared first on LebanonFiles.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى