الرياضيون الأوليمبيون: حدود الاختلاف تتجاوز الجسد، وتمتد لتشمل الدماغ!
في الأوليمبياد أجسام من مختلف الأحجام والأشكال، مُعدة بعناية لتكون على المستوى المطلوب للتنافس على الميدالية الذهبية في كل مجال من المجالات الرياضية المختلفة.
وكأن كل أنظمة الجسم تدفع حدود القدرات الجسدية -مثل السرعة والدقة والقوة والقدرة على التحمل- بعيدًا نحو أقصى حد يمكنها بلوغه.
والسؤال هنا: ما المميز في أدمغة الرياضيين المحترفين؟ وإلى أي مدى تختلف أدمغتهم عنا؟
كما تُعد القدرات الجسدية الاستثنائية أمرًا عاديًا بين أوساط الرياضيين، فإن أجهزة الرياضيين الأوليمبيين العصبية أيضًا تمتلك خصائص مميزة تجعلهم مختلفين عنا.
الحق أن أقل تغير في البيئة المحيطة، يحفز استجابة سريعة من أدمغة الرياضيين المحترفين.
فأي محفِز صوتي عشوائي -مثل ضوضاء الزحام أو نداءات الباعة مثلًا- يثير دماغ الرياضيين لتحليله بسرعة، لتقرير ما إذا كان إشارة مهمة تتطلب التركيز، أم مجرد ضوضاء تُشتت الانتباه. ذلك أن طبيعة البيئة الصاخبة التي يمارس فيها معظم الرياضيين رياضاتهم، تجعل التركيز مع كل محفز صوتي أمرًا يثير الجنون.
في دراسة أجراها مجموعة من علماء جامعة (نورث ويسترن) عام 2019، وجد الباحثون الطلاب الرياضيين المشاركين في الفِرق الأولى للرياضات المختلفة، لديهم قدرة أعلى على تنظيم استجاباتهم للمحفزات الصوتية مقارنةً بغيرهم من الطلاب من نفس الفئة العمرية والجنس!
في دراسة تحليلية لموجات الدماغ، توصل الباحثون إلى أن الرياضيين قد يكونون أفضل من سواهم في التعامل مع الضوضاء الخارجية، والتركيز على أهدافهم دون التعرض للتشتت.
الأمر لا يتعلق فقط بالرياضات التي تُمارس عادةً في بيئات صاخبة، ولا يمكن فقط إرجاعه إلى فكرة التعود على الضجيج والتعامل المستمر معه، فبعض الرياضيين موضع الدراسة كانوا يمارسون رياضات أقل ضجيجًا مثل الجولف.
إذن فالأمر يتعلق بقدرة الرياضة -التي تحتاج إلى الانضباط والتركيز والتدريب المنتظم- على تشكيل وعي الرياضيين وأدمغتهم.
لا يقتصر الأمر على الأصوات، بل حتى المحفزات البصرية قد تُستقبل بشكل مختلف من أدمغة الرياضيين.
وفقًا لدراسة نُشرت عام 2018، فإن لاعبي التنس المحترفين لديهم القدرة على ممارسة ما يُسمى بالتركيز البصري المُكثف، أو ما يُعرف عادةً بفترة ثبات العين، وهي فترة تثبيت النظر على هدف معين بغرض ملاحظته بشكل أدق ورصد تفاصيله.
وجدت الدراسة أن زيادة فترة التركيز البصري المكثف ترتبط طرديًا بخبرة الرياضيين ومهاراتهم في الملعب.
بتطبيق الدراسة على رياضيين يمارسون رياضات أخرى، وُجِد أن الأمر لا يقتصر فقط على رياضة التنس.
بالنسبة إلى الرياضيين المحترفين، فإن المعلومات حول جو اللعبة وتفاصيل اللعب -التي تُدرك بوصفها إشارات متناثرة بواسطة قدراتهم الحسية الفائقة- يلزمها -لتكون مفيدة- أن تُترجم إلى أفعال تمكنهم من الفوز.
مثلًا، القدرات الحركية ترتبط كثيرًا بطبقات الدماغ الخارجية أو القشرة الدماغية، التي تكون عادةً أكثر سمكًا في أدمغة الغواصين المحترفين، ما يزيد لديهم مهارات مثل الوعي المكاني وتصور حركة الجسم.
في مثال آخر، فإن مجموعة من المسارات العصبية التي تصل بين مناطق القشرة المُخية وبين تجمع عصبي في مقدمة الدماغ يُسمى (النواة المُخططية)، ترتبط بقدرة الشخص على القيام بمجموعة من الحركات المُتسلسلة، تكون أكثر عددًا وتأثيرًا في أدمغة الرياضيين المحترفين.
تؤيد نفس النتائج دراسة عام 2015 على ثلاثة رياضيين محترفين في ألعاب الرُمح والوثب الطويل، أجراها باحثون من معهد ماكس بلانك لعلوم الدماغ والإدراك البشري.
توضح الدراسة الارتباط القوي بين زيادة قدرة وعدد المسارات العصبية بين مناطق الدماغ المختلفة، وزيادة القدرة على تنسيق عدد من التحركات المختلفة لتحقيق الهدف عند الرياضيين المحترفين.
الاستعداد الجيني:
لا شك أن بعض الناس يولدون بأدمغة أكثر استعدادًا من سواهم لتطوير التغيرات اللازمة لجعلهم أقدر على إدارة المحفزات الصوتية، وممارسة التركيز البصري المُكثف لوقت أطول، وإصدار ردود أفعال سريعة، أو حتى بناء عضلات أقوى في وقت أقل.
بل قد يولد بعض الرياضيين بكيمياء دماغية أكثر تحفيزًا، تجعلهم بشكل أو بآخر أكثر استعدادًا من سواهم للمخاطرة وبذل الجهد في سبيل تحقيق الانتصارات.
في دراسة أجراها مجموعة من علماء الوراثة في جامعة (بارما) الإيطالية عام 2015، قيّموا فيها أربعة جينات مرتبطة ببناء العضلات والسلوك مثل العدائية والقلق، ولاحظوا وجود جين مسؤول عن إعادة امتصاص الدوبامين، ومن ثم ضخه مجددًا للدماغ عند الحاجة، وهو مرتبط بالقدرة على بذل المجهود والحركة والتحفيز، ومطاردة الانتصارات.
خاتمة
وفقًا للدراسات، يبدو أن الرياضيين الأوليمبيين مدفوعون حقًا بهذا التجمع العفوي من تأثير الجينات وكيمياء الدماغ لإعادة تشكيل أدمغتهم، لتصبح بدورها محركات تدفع أجسامهم نحو حدودها القصوى -وربما خلف حدودها القصوى أحيانًا- إذا كان هذا ما يتطلبه تحقيق الانتصار.
اقرأ أيضًا:
ما الذي يميز العدائين عن باقي الرياضيين؟ الإجابة ليست في عضلاتهم!
لماذا يسبب الكرياتين انتفاخًا لدى الرياضيين؟ وكيف يمكن تجنب ذلك؟
ترجمة: محمد جمال
تدقيق: أكرم محيي الدين
مراجعة: لبنى حمزة
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.ibelieveinsci.com بتاريخ:2024-09-05 23:25:46
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
The post الرياضيون الأوليمبيون: حدود الاختلاف تتجاوز الجسد، وتمتد لتشمل الدماغ! appeared first on Beiruttime اخبار لبنان والعالم.