صراع النقيضين مستمر ما بقي الاحتلال…
خضر رسلان
بعد نيّف ومائة عام على وعد بلفور ورغم السنوات العجاف المملوءة حقداً وقتلاً وخيانة وتواطؤاً، التي مورست على الشعب الفلسطيني في أرضه وإنسانه يُضاف إليه هرولة دول عربية عديدة الى مدّ جسور التعايش والتطبيع مع الكيان «الإسرائيلي» بغية تيئيس إرادة الفلسطينيين ودفعهم للإقرار والتسليم بواقع أن لا دولة ولا كيان لهم، وانّ السبيل الوحيد امامهم هو الاندماج حيث هم مع شعوب الدول التي لجأوا اليها او الهجرة الى بلاد الله الواسعة…
إلا أنّ حسابات الحقل لم تستوِ مع حسابات البيدر نظراً لإرادة المقاومة التي ترعرعت لدى الشعب الفلسطيني وتوارتثها الأجيال جيلاً بعد آخر ولم تسطع شتى أنواع الحروب والانتهاكات طمس الهوية الفلسطينية التي يسعى العدوان «الإسرائيلي» حالياً على غزة والضفة الغربية الى سحقها وإخماد كلّ عوامل المقاومة فيها عبر آلة حربه المروّعة والدموية والاجرامية الغير مسبوقة بحق المدنيين المحاصرين، لا سيما الأطفال منهم، وهدم الأماكن والإنشاءات خاصة منها المفترض أنها محمية ومحيدة وفق القوانين الدولية كالمستشفيات ودور العبادة في أفعال لا تصدر إلا عن عاجز وبائس.
السؤال الذي يطرح نفسه وسط أصوات المدافع وهدير الطائرات والمجازر المتنقلة… هل يوجد أفق ما أو سبيل متوفر لوقف الحرب؟
في قراءة للمشهد العام سواء منه السياسي أو الميداني الذي أعقب عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر من العام الفائت، والتي نفذتها المقاومة الفلسطينية بهدف إنجاز هدف محدّد وهو إطلاق سراح كل الأسرى القابعين دون وجه حق في غياهب المعتقلات الصهيونية وفكّ الحصار عن قطاع غزة المفروض منذ ما يزيد عن العشر سنوات، وهي أهداف واجهها الصهاينة بعنجهية وتجبّر نابعة من سياسة الاستعلاء والاستكبار التي بادر اليها قادة العدو فور استفاقتهم من صدمة إذلالهم وتهشيم صورتهم إثر عملية طوفان الأقصى عبر مسارعتهم الى وضع شروط وإملاءات على المقاومة الفلسطينية تتضمّن الاطلاق الفوري للأسرى الصهاينة دون قيد او شرط إضافة الى قرار سحق حركة حماس وإخراجها كما حركات المقاومة بأجمعها من المعادلة.
لا شك انّ المواجهات المحتدِمة وبعد ما يقارب العام من الصراع سواء داخل فلسطين او في جبهات المساندة غيّرت الكثير من الأولويات التي تمّ رفعها اثر السابع من أكتوبر، حيث بدا واضحاً توجه قادة العدو لا سيما منهم بنيامين نتنياهو الى استغلال ما أمكن من فرص سواء منها تسمية معركته بأنها «حرب وجود» أو الاستفادة من حالة الإرباك الأميركية نتيجة الانغماس في معركة الانتخابات الرئاسية، لتحقيق أهداف منها إزالة آثار معركة الطوفان، ومنها وهو الأهمّ تصفية القضية الفلسطينية وقد تدرّج نتنياهو في بلورة أهدافه وفق خطتي (أ) و (ب).
الخطة (أ)
1 ـ سحق حركة حماس وإطلاق سراح الأسرى دون قيد او شرط.
2 ـ إعادة تفعيل قوة الردع «الإسرائيلية» لإعادة ترميم صورة الكيان أمام الحلفاء خشية فقدان «إسرائيل» لدورها الوظيفي في منطقة الشرق الأوسط.
3 ـ العمل على إعادة الثقة محلياً لدى المستوطنين وأنها تؤمّن الأمن والاستقرار والإنماء، وإقليمياً لدى المهرولين للتطبيع معها بعدما ثبت أنّ الكيان لا يحمي بل ينشد الحماية.
4 ـ العمل على إعادة تفعيل السردية الصهيونية التاريخية التي أصابها الصدأ بعد سقوط المظلة القيمية والأخلاقية لدى شعوب العالم قاطبة حيث كان للكمّ الهائل من التوحش والقتل الذي مارسه الصهاينة بحق الأطفال والمدنيين في غزه أثره البالغ في إعادة القضية الفلسطينية الى الواجهة فضلاً عن تحوّل فلسطين الى شعار عالمي يرمز الى مظلومية الشعب الفلسطيني وحقوقه المهدورة التي لطالما عمل الصهاينة على طمسها وطمس هويتها ووجودها.
الخطة (ب)
رغم سياسة التوحش والمجازر التي سلكها كيان الاحتلال بغطاء أميركي ورغم الأثمان الباهظة، جرّاء سقوط الشهداء، والضحايا، والجرحى، والهدم والخراب فإنه لا يبدو انّ المقاومة الفلسطينية في وارد التراجع قيد أنملة عن شروطها في إطلاق سراح جميع الأسرى ورفع الحصار وحماية المقدسات… وهي شروط يعجز «الإسرائيلي» عن إسقاطها نتيجة لمنازلة الميدان التي فرضتها سواعد المقاومين وبيئة المقاومة في غزة وجبهات المساندة الممتدّة من لبنان الى اليمن مروراً ببلاد الشام والعراق وصولاً إلى الجمهورية الإسلامية في إيران.
على اثر الوارد أعلاه عمل نتنياهو والدولة العميقة الى الإشهار العلني لما كانوا يعملون عليه سراً بـ «يهودية دولة إسرائيل» سواء عبر صفقة القرن، أو بناء الأحلاف، او الترحيل المقونن بدون ضجيج للشعب الفلسطيني من دياره، لا سيما في القدس الشريف، الى المجاهرة تحت شعار «حرب الوجود» عبر الكنيست «الإسرائيلي» الى رفض فكرة الدولتين بل وضع الخطط للترانسفير الفلسطيني من كامل تراب فلسطين، وما توجه الجحافل الصهيونية الى الضفة الغربية إلا لتنفيذ إحدى حلقات التهجير والإبادة إضافة الى حلقة غزة التي سيعقبها بلا شك ترحيل فلسطينيّي 48.
انها حرب الوجود بين نقيضين بين محتلّ لأرض حدها الأدنى أراضي 1967 التي تعتبر أرضاً محتلة وفق القانون الدولي ورغم ذلك ترى الصهاينة يعيثون فساداً وقتلاً وحصاراً بحق العزل في الضفة وغزة دون رادع، بل تأخذ غطاء من دول تدّعي الحرص على حقوق الإنسان وحقه في تقرير مصيره تحت حجة انّ لـ «إسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها» وهي الدولة المحتلة بإقرار الأمم المتحدة، وبين شعب يخضع للاحتلال منذ الانتداب او الاحتلال البريطاني لفلسطين ويطالب بحقوقه المشروعة وحقه الطبيعي في استعاده أرضه وتاريخه التي لن تستطيع أيّ قوة في العالم ان تزوّره.
إنه صراع النقيضين والحروب المستمرة حتى تعود الأرض والسيادة لأهلها ولن تكون فلسطين إلا لأهلها مهما طال الزمن…