مقالات

هل ما زال مجديًا بقاء لبنان ضمن “اللجنة الخماسية”؟

بقلم: خضر رسلان

في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على الأراضي اللبنانية، لا سيما عبر المسيّرات والغارات التي تطال المدنيين والبنى التحتية، يُطرح سؤال جوهري بات لا مفر من مواجهته: ما جدوى بقاء لبنان ضمن ما يُعرف بـ”اللجنة الخماسية” المعنية بمتابعة تنفيذ وقف إطلاق النار وإدارة التهدئة جنوبًا، طالما أن الوقائع الميدانية تُسقط عمليًا أي دور فعلي لهذه اللجنة؟

الطائرات الإسرائيلية تحلّق ليلًا ونهارًا في الأجواء اللبنانية بلا رادع، والخروقات البرية مستمرة، ولا تزال خمس نقاط حدودية لبنانية تحت الاحتلال. أما الضاحية الجنوبية، فصارت تُقصف بوتيرة شبه يومية، بلا حسيب ولا رادع. ولا يقتصر الأمر على القصف فقط، بل بات صوت هدير المسيّرات المزعج يختلط بخوف وقلق كل بيت لبناني، إذ هو صوت يتسلل إلى الوعي، يُذكّر الجميع بواقع يُعاش ولا يُحتمل، يزرع الخوف والاضطراب في النفوس.

أمام هذا المشهد، لا يبدو أن اللجنة الخماسية قد نجحت في توفير الحد الأدنى من الحماية السياسية أو الميدانية للبنان، ولا في الضغط على الطرف المعتدي لوقف عدوانه.

ولعلّ الحادثة الأخيرة التي طالت الجيش اللبناني، ممثل الدولة الشرعي ضمن هذه اللجنة، تُشكل سابقة بالغة الخطورة. فحين دخل الجيش بنايتين جرى استهدافهما من قبل الطيران الإسرائيلي، ولم يعثر على أي مؤشرات تبرر قصفهما، جاءه التهديد العلني والمباشر، ما اضطره للانسحاب. وبعد دقائق، دُمّرت البنايتان بالكامل. تلك الحادثة لا تُظهر فقط تجاهل الاحتلال لسيادة الدولة اللبنانية، بل تكشف أيضًا صمتًا مريبًا من جانب أعضاء اللجنة، الذين لم يحركوا ساكنًا تجاه تهديد المؤسسة العسكرية اللبنانية.

إن هذا الواقع المؤلم يفرض إعادة تقييم جدية لموقع لبنان داخل اللجنة الخماسية. فالمشاركة في آلية دبلوماسية لا تملك أي تأثير ردعي، ولا توفر غطاءً سياسيًا حقيقيًا للدولة اللبنانية، قد تتحول من فرصة إلى عبء، ومن منصة للحوار إلى واجهة شكلية تمنح العدو فرصة الالتفاف على حق لبنان المشروع في الدفاع عن أرضه وسيادته.

ليس من باب التصعيد أن يُطرح خيار تعليق المشاركة أو حتى الانسحاب من هذه اللجنة، بل من باب استعادة الحد الأدنى من الكرامة السيادية. فليس من المنطقي أن يبقى لبنان شاهد زور على آلية لا تقدم ولا تؤخر، ولا تحفظ دماء أبنائه ولا تُعلي صوت مظلوميته في المحافل الدولية.

ما لم تتحول اللجنة الخماسية إلى جهة فاعلة تضع حدًا حقيقيًا للانتهاكات الإسرائيلية، وتُحسن الإنصات للموقف اللبناني، فإن استمرار مشاركة لبنان فيها لا يعدو كونه تكرارًا للرهان على سراب. وفي ظل مشهد يطغى عليه القصف لا الكلام، والانتهاك لا الوساطة، وصوت المسيّرات الذي لا يكف عن الهدير داخل أروقة بيوت اللبنانيين، فإن الخروج من هذه الحلقة الشكلية قد يكون أكثر تعبيرًا عن السيادة من البقاء فيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى