اقتصاد

مصرف لبنان: تراجع الذهب والاحتياطات… وودائع الدولة

حملت ميزانيّة مصرف لبنان، خلال النصف الثاني من الشهر الماضي، مجموعةً من التحوّلات السلبيّة، التي عاكست السياق العام للفترات السابقة. إذ شهد بند أسعار الذهب تراجعات واضحة، بفعل تراجع أسعار الذهب العالميّة. كما تراجع بند احتياطات العملات الأجنبيّة، بموازاة انخفاض حجم ودائع القطاع العام لدى مصرف لبنان. وهذا ما يؤكّد أنّ الزيادات السابقة في احتياطات العملات الأجنبيّة، طوال الأشهر الماضية، ارتبطت بالسياسة التقشّفية المتبعة حالياً على مستوى الماليّة العامّة، القائمة على مراكمة الجبايات الضريبيّة والإيرادات العموميّة وأموال المؤسّسات العامّة في مصرف لبنان. ولذلك، انخفض حجم احتياطات العملات الأجنبيّة بمجرّد استخدام القطاع العام للإيرادات المتراكمة، لدى المصرف المركزي.

التغيّرات في بنود الموجودات

من جهة الموجودات من الميزانيّة، انخفضت قيمة احتياطات الذهب في ميزانيّة مصرف لبنان من 38.47 مليار دولار أميركي في منتصف شهر تشرين الثاني، إلى قرابة الـ 38.4 مليار دولار أميركي في نهاية الشهر نفسه، ما عكس تراجعاً بقيمة 65.66 مليون دولار أميركي خلال فترة 15 يوماً. ورغم هذا التراجع المحدود، بقيت قيمة هذه الاحتياطات حالياً أعلى، وبنسبة معتبرة، من قيمتها في أواخر شهر تشرين الأوّل الماضي، والتي بلغت 36.94 مليار دولار أميركي، قبل أن تشهد أسعار الذهب قفزة كبيرة في النصف الأوّل من تشرين الثاني.

بطبيعة الحال، جاء تراجع قيمة احتياطات الذهب، خلال النصف الثاني من شهر تشرين الثاني، بفعل انخفاض أسعار الذهب العالميّة، خلال الفترة نفسها. مع الإشارة إلى أنّ مصرف لبنان يعيد تقييم هذه الاحتياطات، كل نصف شهر، في ضوء الأسعار الرائجة في الأسواق الدوليّة. أمّا أسباب تراجع الأسعار خلال تلك الفترة، فارتبطت بارتفاع مؤشّر الدولار مقابل العملات الأخرى، فضلاً عن تراجع احتمالات خفض الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي خلال الشهر الحالي، وترقّب المستثمرين البيانات الاقتصاديّة الأميركيّة التي تأخّر الإفصاح عنها.

في جميع الحالات، وخلال الفترة نفسها، شهدت احتياطات العملات الأجنبيّة انخفاضاً شبيهاً: من 11.98 مليار دولار أميركي في منتصف شهر تشرين الثاني، إلى نحو 11.85 مليار دولار أميركي في نهاية الشهر، وهو ما عكس تراجعاً بقيمة 129 مليون دولار أميركي خلال تلك الفترة. وهذه المرّة، انخفض حجم الاحتياطات إلى ما دون مستواه السابق في أواخر شهر تشرين الأوّل، أي قبل شهر واحد، والذي بلغ نحو 11.87 مليار دولار أميركي.

بهذا الشكل، شهد المصرف المركزي تراجعات في أهم بندين في خانة الموجودات: احتياطات العملات الأجنبيّة واحتياطات الذهب. وبلغ الحجم الإجمالي لهذه التراجعات نحو 195 مليون دولار أميركي، خلال فترة 15 يوماً. وتجدر الإشارة إلى أنّ قيمة الموجودات الإجماليّة تراجعت كذلك، خلال الفترة نفسها، بنحو 310 مليون دولار أميركي، لتبلغ 94.37 مليار دولار أميركي (بالتأكيد، يشمل هذا الرقم الإجمالي بنوداً لا تعبّر عن موجودات فعليّة، مثل الخسائر المتراكمة، وغير المعترف بها، في الميزانيّة).

بنود المطلوبات

يمكن فهم أسباب التراجع في قيمة احتياطات العملات الأجنبيّة، بمجرّد الاطلاع على مطلوبات مصرف لبنان، أي التزاماته لمختلف الأطراف. فودائع القطاع العام لدى المصرف المركزي، تراجعت من 8.6 مليار دولار أميركي في منتصف شهر تشرين الثاني، إلى قرابة 8.51 مليار دولار أميركي في نهاية الشهر، ما أشّار إلى انخفاض بقيمة 94.52 مليون دولار أميركي خلال فترة نصف شهر. وبهذا المعنى، لم يواظب القطاع العام على مراكمة المزيد من إيراداته لدى مصرف لبنان، كما كان يجري في الفترات السابقة.

من الناحية العمليّة، يمكن القول إنّ استخدام الدولة لإيراداتها، المودعة في مصرف لبنان، ساهم في تخفيض احتياطات العملات الأجنبيّة الموجودة في المصرف. كما يؤكّد هذا التطوّر أنّ مراكمة الإيرادات العامة في مصرف لبنان، خلال الفترات السابقة، ساهم في زيادة هذه الاحتياطات، قبل أن تعود للانخفاض الآن بعد استعمال هذه الإيردات. ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أنّ حجم أموال القطاع العام، المودعة في مصرف لبنان، لا تزال أعلى من مستواها في أواخر تشرين الأوّل، الذي بلغ نحو 8.47 مليار دولار أميركي.

في جهة المطلوبات أيضاً، تراجعت التزامات المصرف المركزي للمصارف التجاريّة، من 83.84 مليار دولار أميركي في منتصف تشرين الثاني، إلى 83.62 مليار دولار أميركي في نهاية الشهر، ما أظهر انخفاضًا بقيمة 216.88 مليون دولار أميركي في هذا البند. ومن المعلوم أنّ المصرف المركزي يعمد إلى استعمال احتياطاته، لتمويل جزء من السحوبات الشهريّة الممنوحة للمودعين، في مقابل شطب قيمة موازية من هذه السحوبات من ودائع المصارف لدى مصرف لبنان.

على المستوى النقدي، لم يشهد حجم الكتلة المتداولة بالليرة اللبنانيّة خارج مصرف لبنان أي تغيير يُذكر، إذ ظلّ حجم هذه السيولة مستقرًا عند حدود 71.66 ترليون ليرة لبنانيّة في أواخر تشرين الثاني، مقارنة بـ 72.26 ترليون ليرة لبنانيّة في منتصف الشهر. مع العلم أن قيمة هذه الكتلة النقديّة يقتصر حالياً على نحو 801 مليون دولار أميركي فقط، عند قياسها بالعملة الصعبة، ما يؤشّر إلى سهولة السيطرة عليها من قبل المصرف المركزي. وعلى هذا الأساس، من غير المرتقب أن تشهد توازنات العرض والطلب، في سوق القطع، أي تقلّبات حادّة خلال الفترة المقبلة.

أخيراً، ستبقى جميع هذه البنود في ميزانيّة مصرف لبنان عرضة لتحولات كبيرة خلال الأشهر المقبلة، مع صدور قانون الفجوة الماليّة، الذي يفترض أن يعالج الخسائر المتراكمة في المصرف المركزي. وكما هو معروف، من المفترض أن يؤثّر هذا القانون فوراً في حجم التزامات المصرف المركزي للمصارف التجاريّة، وفي كيفيّة استعمال الاحتياطات المتبقية، فضلاً عن مصير ودائع القطاع العام، والديون التي يطالب بها مصرف لبنان بوصفها التزامات متوجبة على الدولة.

The post مصرف لبنان: تراجع الذهب والاحتياطات… وودائع الدولة appeared first on Lebanon Economy.

sama

سما برس "سما برس" هي شبكة إخبارية لبنانية شاملة تُعنى بتقديم الأخبار العاجلة والمتجدّدة من لبنان، والعالم العربي، والعالم. تهدف إلى نقل صورة واقعية ومتوازنة للأحداث من مختلف المجالات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية، نقدّمه بأسلوب مهني وشفاف. انطلاقًا من بيروت، نسعى لأن نكون صوتًا موثوقًا وصلًا بين المتابعين ومجريات الأحداث، من خلال تغطية حصرية وتحقيقات معمّقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى