اقتصاد

تنامي صادرات الصين يضغط على النظام التجاري العالمي


يشهد النظام التجاري العالمي ضغوطا متزايدة في ظل تنامي الصادرات الصينية بوتيرة غير مسبوقة محققة رقما قياسيا الشهر الماضي، مما قد يعيد تشكيل موازين المنافسة الدولية.

وبينما يواصل ثاني أكبر اقتصاد في العالم تعزيز حضوره في الأسواق العالمية عبر إنتاج منخفض التكلفة وقدرات تصنيعية ضخمة، تتصاعد المخاوف لدى الاقتصادات الكبرى من تأثير هذا التوسع على الصناعات المحلية وتوازنات التجارة العالمية.

وتشير تحذيرات مؤسسات دولية إلى أن اتساع الفائض التجاري الصيني قد يفاقم التوترات التجارية ويفرض تحديات جديدة على سلاسل الإمداد والاتفاقات التجارية، في وقت تسعى فيه الدول إلى حماية أسواقها من موجات الإغراق والاختلالات الهيكلية.

وفي مؤشر على ذاك التشاؤم حثت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا الصين على معالجة اختلالاتها الاقتصادية، قائلةً إن “هذا البلد الذي يبلغ تعداد سكانه 1.4 مليار نسمة أكبر من أن يعتمد على الصادرات لتحقيق نموه”.

ونمت الصادرات الصينية العالمية، بينما انخفضت الشحنات إلى الولايات المتحدة بعد أن رفع الرئيس دونالد ترامب الضرائب على الواردات. وهذا الأسبوع، أعلنت بكين أن فائضها التجاري لعام 2025 قد تجاوز بالفعل مستوى قياسيا بلغ تريليون دولار.

وارتفع الفائض التجاري للصين إلى 3.4 في المئة بنهاية الربع الثالث من 2025، وهو أعلى مستوى منذ أواخر 2010، وفق حسابات وكالة بلومبيرغ.

وقالت جورجيفا في مؤتمر صحفي الأربعاء إن “اعتماد الصين الكبير على الصادرات يُنذر بخطر دفع شركائها التجاريين إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات للحد من وارداتها”.

وأضافت أن “استمرار اعتماد الصين على النمو القائم على التصدير يُنذر بتفاقم التوترات التجارية العالمية”. وتابعت “لقد أصبحت الصين الآن أكبر من أن تعتمد على الصادرات كمصدر للنمو… ولديها سوق ضخمة يمكن أن تُشكل مصدرا واعدا للنمو مستقبلا”.

وتأتي تصريحات جورجيفا على هامش زيارتها إلى بكين لحضور المنتدى الاقتصادي السنوي الذي يضم رؤساء المنظمات الدولية الكبرى، والذي جاء بالتزامن مع اختتام صندوق النقد الدولي مراجعته السنوية للصين.

وتزامن ذلك مع إطلاق غرفة التجارة الأوروبية في بكين تحذيرات من أن الفائض التجاري الكبير للصين يُثير مخاوف.

وكان رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ قد قال الثلاثاء أمام مجموعة من الخبراء الماليين الدوليين إن الرسوم الجمركية المرتفعة “وجهت ضربة قوية” للاقتصاد العالمي.

وخلال اجتماع رفيع المستوى عُقد في أكتوبر بهدف وضع خطط للخمس سنوات القادمة، أكد القادة الصينيون على ضرورة تعزيز الاستهلاك المحلي.

ولطالما سعى الحزب الشيوعي الحاكم إلى إعادة التوازن للاقتصاد، وتقليل اعتماده على الصادرات والاستثمارات الضخمة في البنية التحتية.

لكن جائحة كورونا حالت دون ذلك، إلى جانب تراجع مطوّل في سوق العقارات، مما أدى إلى تباطؤ النشاط في هذا القطاع الذي كان محركًا قويًا للنمو.

وفي الوقت نفسه، بذلت بكين جهودًا حثيثة لتوسيع نطاق التصنيع في الصناعات عالية التقنية، في محاولة للسيطرة على الطاقة الإنتاجية الزائدة في بعض المجالات، مثل صناعة السيارات.

وتوقع مورغان ستانلي مؤخرا أن تصل حصة الصين في سوق الصادرات العالمية إلى 16.5 في المئة بحلول عام 2030، ارتفاعا من حوالي 15 في المئة حاليا.

وبحسب محللي بنك الاستثمار الأميركي، سيكون ذلك مدعوما بصناعاتها التحويلية المتقدمة وقطاعاتها سريعة النمو، مثل الروبوتات والسيارات الكهربائية والبطاريات.

وساهم تراجع الاستهلاك والطلب المحليين في الصين في انخفاض قيمة اليوان مقابل الدولار والعملات الأخرى. وقد أدى ذلك إلى انخفاض أسعار الصادرات الصينية مقارنةً بصادرات الدول الأخرى، مما فاقم الاختلالات التجارية.

مورغان ستانلي يتوقع أن تصل حصة الصين في سوق الصادرات العالمية إلى 16.5 في المئة بحلول عام 2030

وطالب صندوق النقد صناع السياسات في الصين بتبني حوافز أكثر جرأة لتحفيز الاستهلاك ورفع أسعار المستهلكين، مع إتاحة المزيد من المرونة في سعر الصرف.

وهبط سعر الصرف الفعلي لليوان، المعدّل حسب التضخم، إلى أدنى مستوى خلال أكثر من عقد، نتيجة استمرار تراجع الأسعار في الصين، ما زاد من تنافسية صادراتها عالميا.

وفي وقت سابق من هذا العام، قدّر صندوق النقد أن اليوان مقوّم بأقل من قيمته بنسبة 8.5 في المئة استناداً إلى فائض حساب جار بلغ 2.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للصين العام الماضي.

وبينما يُعد السوق الصيني ضخمًا ولا يزال ينمو بمعدل سنوي يقارب 5 في المئة، فقد تراجع الطلب المحلي نتيجةً لتقليص المستهلكين لإنفاقهم بسبب فقدان الوظائف والدخل خلال جائحة كورونا وبعدها.

كما أثر التراجع المستمر في سوق العقارات على ثروات الأسر، مما قلل من رغبة المستهلكين في الإنفاق وأضعف الطلب على الواردات، الأمر الذي فاقم الاختلالات التجارية.

ولمحاولة تعويض انخفاض الصادرات إلى الولايات المتحدة، تزيد الصين من صادراتها إلى دول أخرى في أفريقيا وأميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا وأوروبا. وقد أثار ذلك استياء شركاء الصين التجاريين نظرًا لعدم مواكبة وارداتها لهذا النمو.

The post تنامي صادرات الصين يضغط على النظام التجاري العالمي appeared first on Lebanon Economy.

sama

سما برس "سما برس" هي شبكة إخبارية لبنانية شاملة تُعنى بتقديم الأخبار العاجلة والمتجدّدة من لبنان، والعالم العربي، والعالم. تهدف إلى نقل صورة واقعية ومتوازنة للأحداث من مختلف المجالات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية، نقدّمه بأسلوب مهني وشفاف. انطلاقًا من بيروت، نسعى لأن نكون صوتًا موثوقًا وصلًا بين المتابعين ومجريات الأحداث، من خلال تغطية حصرية وتحقيقات معمّقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى